توطئة

إبان الاحتلال الإسباني لشمال المغرب 1913-1956، حاول الإسبان والإدارة الاستعمارية فرض ثقافتهم بقوة السلطة والمال على المغاربة، فيما أبان المغاربة عن مقاومتهم لهذا الاختراق الثقافي اعتمادا على وسائل مختلفة، من بينها التأليف وإصدار الصحف والمجلاّت.

تصدّر الفقيه والعلامة محمد بوخبزة الحسني أحد الشباب المتعلمين البارزين في مدينة تطوان -آنذاك- لمهمّة التدافع الثقافي إلى جانب ثلّة من سياسيي ومثقفي شمال المغرب، ومن بين الآثار الثقافية التي بقية شاهدة على هذا التدافع، أرجوزة نظمها العلامة رحمه الله سنة 1372ه/1953م، أي حينما كان عمره لا يتجاوز 21 سنة، وتزامن ذلك مع السنوات الأخيرة من المرحلة الاستعمارية، أما تأليف هذه الأرجوزة فلم يأخذ من وقت هذا الشاب المتمكّن إلا يومين، لتخرج معبّرة عن مواقفه ومواقف المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها.

انتظرت أرجوزة “التوضيح والتبيين لشد عدوان العصريين على الدين” أكثر من نصف قرن لتخرج إلى عموم القراء مطبوعة محقّقة في كتيب تحت عنوان “الاحتلال الإسباني والهوية المغربية: المقاومة والتدافع الثقافي”، وصادرة عن مركز يقين سنة 2020، وقد أشرف على تحقيقها والتعليق على بعض أجزائها الأستاذين عادل خزرون وطارق الحمودي.

مضامين الكتاب/الأرجوز

يقع هذا الكتيب في 47 صفحة، متضمنا لمقدمة المحققين ومقدمة للناظم رحمه الله، ثم نص الأرجوزة منظوما، مع وجود هوامش وتعليقات توضيحية تضع نص الأرجوزة في سياقها التاريخي، متوسعة أحيانا في بعض المواضيع المشار إليها في النظم.

تطرّق الناظم العلامة محمد بوخبزة في أرجوزته إلى مواضيع اجتماعية وثقافية مختلفة (المرأة، التحرر، السينما، العلاقة بين الجنسين، الإسلام، الإلحاد..)، وهي تنقسم بين أفكار روّجها الاستعمار الإسباني أو نخبة من المغاربة ذوي التكوين الغربي سواء كانوا ليبراليين أو شيوعيين، كما ينبّه هذا النظم لبعض الظواهر الاجتماعية التي تفشت في المجتمع المغرب إبان حقبة الاستعمار مقابل تواري بعض القيم الأخلاقية المتوارثة منذ قرون.

وتمثل هذه الأبيات المنظومة شهادة تاريخية من فاعل ثقافي متمرّس سبق له أن أشرف على إصدار مجلتين خلال الحقبة الاستعمارية هما مجلة “أفكار الشباب” ومجلة “الحديقة”، كما أنه يمثل مدرسة فكرية فقهية سلفية، وعليه يمكننا القول إن هذا النظم هو تعبير عن موقف المدرسة الفقهية السلفية المغربية من بعض التحولات الفكرية والاجتماعية التي طرأت خلال حقبة الاستعمار.

مقابل ذلك يعكس لنا هذا النص المنظوم رصدا دقيقا للتحولات الاجتماعية الكبيرة والسريعة التي طرأت بالمجتمع، مخلفة تصدعات حقيقية وتناقضات داخل الأسرة والمجتمع، كما أن هذا الرصد يشمل أيضا الأفكار التي تسرّبت إلى النخب المثقفة إبان هذه الحقبة، فساهم الظرف السياسي في إعلان هذه التيارات الجديدة عن أفكارها، وإن كانت تشكل وجهة مناقضة تماما للأفكار السائدة في المغرب منذ حقب طويلة.

خاتمة

إن قيمة هذا العمل على صغره كبيرة، من حيث الشهادة التاريخية، والرصد الاجتماعي والثقافي، وهي تسمح للمؤرخ والمطلع على تاريخ المغرب من توسيع منظور قراءته للتحولات التاريخية والثقافية والذهنية.