
المحتويات
توطئة
تعرف الكتابة عن مسار السياسيين بإحدى المغامرات التي يصعب ركوبها سواء بالنسبة للصحفيين أو المهتمين بالشأن السياسي، والتخوف راجع إلى غياب الإرادة، ونوع من واجب الكتمان والمحافظة على أسرار الدولة، وبهذا تضيع الحقيقة على الباحثين في المجال السياسي ولا تكتمل الصورة، لوجود فراغات عند تتبع الأحداث ومحاولة فك رموزها. وقد بقيت العديد من الأحداث مركونة في ثنايا الذاكرة تنتظر من ينعشها، ويجليها، ويخرجها من دائرة العتمة إلى النور كي تؤدي وظائفها.
في هذا المسار المليء بالأسرار والخبايا ألف الملك الراحل الحسن الثاني في الذاكرة على الأدب السياسي كتابين هما “التحدّى” و”ذاكرة ملك“، وكتب من الوزراء الأولين في عهد الحسن الثاني، عبد اللطيف الفيلالي مذكراته “المغرب والعالم العربي“، وعبد الرحمان اليوسفي، الذي تحدث إلى امبارك بودرقة في كتابه “أحاديث في ما جرى”، وأحمد عصمان في حلقات برنامج “الشاهد”، الذي بثته القناة الأولى المغربية، ولو بصفة مختصرة ومحدودة، كما كما ألفت كتابات عن المجاهد المقاوم الدكتور عبد الكريم الخطيب، عبر حوارات، وأخرى في مجلات متخصصة عن زعيم الريف… وإن من بين أهم الكتب التي تعرضت لسيرة مناضل سياسي، كتاب “إسماعيل العلوي… نبل السياسة.. مسيرة حياة ” لمحمد الضو السراج، الذي صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر في 697 صفحة من الحجم الكبير، وقدم التجربة الغنية لإسماعيل العلوي، الجامعي والسياسي والوزير الأسبق، والمسيرة السياسية والثقافية والجمعوية التي استمرت زهاء ستين سنة لهذه الشخصية البارزة في المشهد الوطني. كما يعد هذا العمل سردا توثيقيا وقراءات أفقية وعمودية لمسار العلوي الذي ارتبطت فيه الممارسة السياسية بالعمل الثقافي والفكري والجمعوي.
قصة الكتاب
بعد سنوات من التحاق المؤلف محمد الضو السراج بدار الإذاعة والتلفزة المغربية، قام بإنتاج سلسلة حلقات من برنامج “الشاهد” لصالح القناة الأولى عن مسار عدد من الشخصيات السياسية المغربية كان منهم الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي، الذي تعرّف عليه شخصياً في 2009م، إذ تم تصوير البرنامج معه في 2009م و 2010 م، وتم بثه في 2016م، موزّعاً على خمس حلقات مدة كل واحدة منها حوالي 60 دقيقة.
في بداية 2022 م شرع في إعداد هذا الكتاب السيرة بالاعتماد على ذاكرة مولاي إسماعيل أولا، ثم على عدد من الوثائق والحوارات والتصريحات المسجلة في مجموعة من الحوامل الورقية والرقمية والسمعية والسمعية البصرية، مع إعادة صياغتها وترتيبها كرونولوجياً وتبويبها إلى فصول، مع مراجعة أسماء الأمكنة وتحديد تواريخ الأحداث وتفاصيلها. كما تم تجاوز النقص في بعض الأحداث أو إضافة معطيات وتفاصيل أخرى ومعلومات جديدة بالعودة إلى “ذاكرة مولاي إسماعيل”.
هذا الكتاب ليس فقط سرداً للأحداث من جانبه بل يتوقف في المحطات المهمة من هذه السيرة لتحليل الوقائع بعمق وإبداء رأيه في تفاصيل الأحداث التي عاش أو عايش، وأحياناً كشف الغموض الذي يلفها. وباعتباره جغرافي مُختص في الجغرافيا البشرية، فإن مولاي إسماعيل ينقب في التفاصيل ويحلل كل المعطيات ويُفسّر القرارات والمواقف التي اتخذ بصفته أميناً عاماً لحزب تاريخي (حزب التقدم وإشتراكية) أو بصفته مسؤولاً عمومياً في حكومة التناوب. كما يتأكد من صحة الوقائع وتواريخ الأحداث وهوية الأسماء… (الكتاب، ص: 11)
مضامين الكتاب
يقول مولاي إسماعيل العلوي عن الكتاب: “بخصوص كتابة سيرة حياتي أرى أنه من باب الغرور أن نقول إن الذاكرة ستكون وفية وستأتي بأشياء مضبوطة… مع الأسف لم أدون كتابياً وبكيفية منتظمة كل المراحل التي عشت منذ صغري إلى يومنا هذا. فعندما أعلنت أنني لن أنشر مذكراتي أعلنتها بهذا التحفظ، لكن إذا استطعت أن أتجاوز هذا النوع من التردّد وأكتب عن مساري في هذه الحياة فهذا احتمال وارد. ولا أنفي هذا الأمر، لكن تحفظي الأساس هو أن الذاكرة خائنة بطبيعتها، فهي تجمِّل الكثير من المحطات وتسوّد محطات أخرى أحياناً، وربما تدفع بتأويلات لم تكن مطابقة للواقع. لذلك كنت دائماً أطرح هذا التساؤل على نفسي: هل أكتب مذكراتي ؟! لقد تقدمت في السن، وأبلغ اليوم من العمر أربعا وثمانين 84 سنة (2024م)، والحياة والممات بيد الله، فالإنسان لا يعرف متى سيغادر هذه الدنيا… لهذه الاعتبارات أرى أن على المرء أن يتريث وأن يكون أيضاً حذراً مع سنه حتى لا يُفاجأ بأي عائق يمكن أن يمنعه من تحقيق ما يهدف إليه… فأنا الآن فقدت الإبصار بعيني اليمني، وما يدريني أنني لن أفقد العين الأخرى، فهذا أمر وارد، لأنّ الإنسان مصاب باستمرار. كما أنني أعاني من بعض المتاعب الأخرى…
وها أنا ذا أقدم لكم اليوم صورة عن نفسي منعكسة في مرآة الواقع بدون رتوش وفي محيط سياسي وحزبي اخترته عن طواعية وأسهمت فيه منذ البداية بكل ما أملك من قوى فكرية وتنظيمية حتى يكون في المستوى المناسب لأن الكمال لله – رغم كل المعيقات الموضوعية والمفتعلة. هذا المسار الصعب المتعب والممتع في الآن نفسه كان دائماً حافزي على العمل من أجل التقدم نحو المستقبل.
تتلمذت في مرحلة الثانوي على أستاذة لقنتني أن معرفة الماضي لا تكون ذات جدوى إلا إذا ساعدت في إدراك الحاضر والعمل على تغيير الواقع الراهن نحو الأحسن، حتى يكون المستقبل أفضل… هذه الفكرة النيرة تراودني دوماً وأحاول أن أعمل على هديها… (الكتاب، ص: 697)
إننا أمام وثيقة ذات طابع تكويني للطاقات والأجيال الجديدة ومرجعا علميا للباحثين والمتخصصين، وقد عدّ متخصصون الكتاب احتفاء بالمسار الطويل الحافل بالعطاء لإسماعيل العلوي الذي تقلد العديد من المهام والمسؤوليات، وأنه سيساهم في حفظ الذاكرة الوطنية وتوثيق محطات ومراحل مهمة من تاريخ المغرب المعاصر.
يتضمن الكتاب إثنا عشر فصلا مع ملاحق ومعزز بصور نادرة، عن مسار مولاي إسماعيل كشخصية وطنية تقدمية ومناضلة في الحزب الشيوعي المغربي منذ ستينيات القرن الماضي، ثم في حزب التحرر والاشتراكية وبعده حزب التقدم والاشتراكية. ويعتبر هذا الكتاب سجّلا مفتوحا يَحمِل عدداً من الرسائل السياسيّة المباشرة الموجّهة للشباب، وللطبقة السياسيّة في المغرب بكلّ توجّهاتها، راكَمَها إسماعيل العلوي في تجربة إنسانية غنيّـة سياسياً وثقافياً وجمعويا اسـتمرّت زهاء ستّين سنة.
وقد أعد المؤلف عدة ملاحق مرفقة في نهاية الكتاب منها ملحقان مرتبطان بشخص مولاي إسماعيل المؤطر والمنظر، لهما أهميتهما في الحقل الثقافي والسياسي الوطني؛ الأول عن الحوار الوطني حول قضايا المجتمع المدني، الذي أطره وترأس فعالياته مولاي إسماعيل العلوي خلال 2013م و 2014م، أما الملحق الثاني فيتضمّن تلخيصاً عاماً لكتاب “النضال الديمقراطي في المغرب: رهانات الماضى وأسئلة الحاضر”، وهو حوار طويل أجراه مع مولاي إسماعيل العلوى الأستاذ عبد الله البلغيتي العلوي مدير مجلة “الأزمنة الحديثة”، قدم فيه لمحة تاريخية عن أسس وتاريخ الفكر الاشتراكى فى المغرب ودور الحزب الشيوعي المغربي – حزب التقدم والاشتراكية فى نشر هذا الفكر. وقبلهما أورد ملحقا يتضمن الوثائق المؤسسة “للكتلة الديمقراطية”، نظرا لأهمية دور حزب التقدم والاشتراكية فى تأسيسها.
ومن الوثائق التي ساعدته في إنجاز هذا الكتاب برنامج “الشاهد”، مع حوارات أخرى أجراها عدد من الصحفيين مع مولاي إسماعيل العلوي في مناسبات متفرقة. وهم سليمان الريسوني في جريدة “المساء”، ورضوان مبشور في أسبوعية “الأيام”، ومنير أبو المعالي في جريدة “بيان اليوم”، والراحل المختار الزياني في جريدة ” الاتحاد الاشتراكي”، وغسان الكشوري في مجلة “زمان”، وبدر الدين الصائغ معد ومقدم برنامج “وفي زاوية أخرى ” في “تلفزيون العربي” في لندن. إضافة إلى أرشيف الحزب وجريدة «البيان». وبخصوص جوانب من تاريخ الحزب الشيوعي المغربي اعتمدالمؤلف على كتاب “الثابت والمتحول في علاقة الحزب الشيوعي باليهود المغاربة 1943-1948م”، لمحمد براص، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إضافة إلى عشرات الوثائق الورقية والرقمية والسمعية-البصرية الأخرى، وعشرات الصور من الألبوم الشخصي لمولاي إسماعيل العلوي، ومن مصادر أخرى مصحوبة بفقرات مكتوبة توضح خلفيات الصور وزمانها ومكانها، تواكب مختلف مراحل حياته ونشاطه الثقافي والجمعوي والسياسي. تضمنت كذلك نُبذاً عن مسار بعض رفاقه من المؤسسين للحزب. وفي نهاية الفصل السادس قدم الكاتب ملحقا عن مسار حياة الرفيق علي يعتة متضمنا صورا نادرة ومعطيات غير متداولة كثيرا عن حياته وكفاحه. (الكتاب، ص: 12)
لقد تضمن الكتاب كما أسلفنا بعد التمهيد 12 فصلا، الفصل الأول عنونه ب: سلا 1940 النشأة والتكوين في عالم مضطرب. الفصل الثاني: آل العلوي وآل الخطيب.. امتدادات عائلتين. الفصل الثالث: القنيطرة 1956… خطوات نحو أفق جديد. الفصل الرابع: الشيوعي والنقابي بين مطرقة السلطة ومنجل الحزب. الفصل الخامس: حروب الجزائر وانقلابات المغرب. الفصل السادس: مسار الحزب الشيوعي المغربي.. بين المنع والترخيص، مع ملحق حول مسار الرفيق علي يعتة. الفصل السابع: من الحزب الشيوعي المغربي إلى التقدم والاشتراكية تعددت الأسماء والهدف واحد. الفصل الثامن: الكتلة الديمقراطية.. التأسيس والخروج من النفق. الفصل التاسع: حكومة التناوب التوافقي: ذو الوزارتين.. أهداف كبرى وموارد شحيحة. الفصل العاشر: حزب التقدم والاشتراكية.. مرحلة ما بعد الكتلة. الفصل الحادي عشر هواجس جمعوية. الفصل الثاني عشر: عود على بدء.. ثم الملاحق الآتية: ملحق: الوثائق المؤسسة للكتلة الديمقراطية، يضم: ميثاق تأسيس الكتلة الديمقراطية (17) ماي (1992)، ومذكرة الكتلة الديمقراطية (19) يونيو (1992)، مذكرة الكتلة الديمقراطية (23) أبريل (1996). ملحق: الحوار الوطني حول المجتمع المدني. ملحق : النضال الديمقراطي في المغرب، رهانات الماضي وأسئلة الحاضر.
خاتمة
هذا الكتاب سجل مفتوح يحمل عدداً من الرسائل السياسية المباشرة الموجهة للشباب والطبقة السياسية في المغرب بكل توجهاتها، راكمها إسماعيل العلوي في تجربة إنسانية غنية سياسياً وثقافياً وجمعوياً استمرت زهاء ستين سنة، مما يفرض على كل مهتم بالشأن العام السياسي والمعرفي في بلادنا إلى قراءته بتمعن. فهو ليس سرداً توثيقياً صرفاً لمسار إسماعيل العلوي، بل قراءة عميقة أفقية وعمودية لمسارات بلادنا في الماضي والحاضر. ومن تتبعنا لهذا المسار يقول المؤلف: نلاحظ كيف ارتبطت عند إسماعيل العلوي مسألة الممارسة السياسية بالعمل الثقافي والفكري والجمعوي وبحس نقدي لبعض جوانب هذا المسار، وهو أمر نادر في فضائنا السياسي. ويعده الملاحظون المتتبعون للشأن العام في المغرب، نموذجا للمثقف الملتزم والمدافع عن مصالح الفلاحين والطبقة العاملة وسائر الفئات المستضعفة. فقد كان حريصاً على المزاوجة بين العمل السياسي والبعد الأخلاقي، ما جعله يحظى دوما بتقدير الجميع. وتتويجاً لمساره العلمي نال مولاي إسماعيل العلوي شرف عضوية أكاديمية المملكة المغربية، التي ترأس دورة تنصيب أعضائها ولي العهد الأمير مولاي الحسن في نونبر 2023م.