عبد الرحمان رشيد المجتمع ضد الدولة

يهدف الكتاب قيد التقديم، لصاحبه “عبد الرحمان رشيق”، إلى تفكيك وتحليل تطور مختلف أشكال الحركات الاحتجاجية/الاجتماعية التي عرفها المغرب بأفق فهم سماته، واستيعاب تمفصلاته، ورصد معالم خطابه، وتحديد أهم فاعليه.

فالكتاب – والمعنون ب –”المجتمع ضد الدولة، الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب”، ترجمة عز الدين العلام، والصادر عن منشورات ملتقى الطرق، الدار البيضاء، سنة 2021- بمثابة تأريخ كرونولوجي وتحقيب زمني للفعل الاحتجاجي مغربيا، منذ مرحلة ما بعد الاستعمار مع الحركة الوطنية، مرورا بالحركات اليسارية الجذرية والمعارضة السياسية، انتهاء بالحركات الاحتجاجية الجديدة، والحركات الفئوية المطلبية والمناطقية.

في سياق حديثه عن  الاحتجاج الاجتماعي المناطقي وخاصة في المناطق الريفية وفي المدن الصغرى يؤكد عبد الرحمان رشيق على أن هذا النمط من الاحتجاج يعتمد على تضامن مسبق يحدده المنطق القبلي والعرفي والترابي واللغوي، فقد عبر المتظاهرون في إقليم الحسيمة عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية، ككتلة وكعشيرة، وليست كذات اجتماعية فقيرة ومحرومة ومهمشة.

كما يتحدث رشيق عن بعض الحركات ذات الأبعاد الثقافية أو القيمية والهوياتية، أو بعض معالم الاحتجاج الافتراضي على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي “فانخفاض عدد الاحتجاجات في الفضاء العام يعوضه اليوم اللجوء إلى مساحات بديلة والاحتماء وراء الشبكات العنكبوتية”[1].

إن هذا الكتاب يمكن اعتباره بمثابة وثيقة و تقرير رصدي بمقاربة تحليلية تستعمل الأطر النظرية لمساءلة الظواهر الاحتجاجية من قبيل نظريات السلوك الجماعي. وفي هذا السياق يعتمد رشيق على: نظرية تعبئة الموارد، و نظرية الفرص السياسية وغيرها من البراديغمات التحليلية والمناهج الدراسية الخاصة بتفهم الحركات الاحتجاجية.

هذه الأخيرة متميزة بطابع التغير والدينامية، والتحولات الكبرى على مستوى بنيتها وبالقطائع بعض الأحيان على مستوى خطاباتها وسياقاتها، ما يقتضي نوعا من الحذر الإبستيمي في توصيفها وقراءتها وهو ما يشير إليه صاحب الكتاب في مطلع متنه، بحيث أن تسارع وثيرة الاحتجاج بالمغرب وتحول بنيته وفاعليه جعله يتريث في إصداره طلبا للمسافة اللازمة التي تقتضيها دراسة الظواهر الاجتماعية عامة والاحتجاجية على وجه التحديد.

دون أن يغفل كذلك عن التوصيفات العلمية للحقل المفاهيمي الذي يشتغل من داخله معتمدا تمييزا واضحا بين منطق الحركات الاجتماعية، ومنطق الحركات الاجتماعية الجديدة، ومنطق الحركات الاحتجاجية.

وفي حديثه عن الفعل الاحتجاجي مغربيا يعتبر رشيق على أنه من بين أهم الخصائص التي يمكن تسجيلها في الفعل الاحتجاجي بالمغرب تميزه بتعدد الفاعلين وتجددهم، فمن الأكيد أن الفاعل التقليدي في صيرورة الاحتجاج  والمتمثل في الأحزاب السياسية والهيئات النقابية، والجمعيات الحقوقية، تراجع دورها التأطيري للشارع والفضاء العام لصالح فاعلين جدد، بدون هوية ثابتة مميزة، أهم ما يميزهم تحررهم من ربقة الإيديولوجيات الجاهزة، والكلاسيكية، بحيث باتت الحركات الاحتجاجية الجديدة “تتجاهل الأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام، ولم تعد تعترف بأي قيادة، ورفضت كل تنظيم رسمي”[2]

فأغلب الفاعلين الجدد في الحركات الاحتجاجية حسب رشيق “ينتمون إلى سياقات اجتماعية هشة، يعيشون على أمل يومي بتغيير أحوالهم الاجتماعية وأوضاعهم الحياتية فقد “كانت حالة الفقر المجتمعي والإقصاء المجالي، تعاش من قبل السكان باعتبارها أمرا طبيعيا، غير أن الجديد أن الفوارق الاجتماعية والمجالية لم يعد ينظر إليها بوصفها واقع حتمي لا مفر منه”[3]، بحيث تذكي الأمل عند المواطنين في غد أفضل خاصة بعد التفاعل النسبي للدولة مع المطالب الاجتماعية للمواطنين من خلال سن سياسات عمومية ذات نزوع اجتماعي (كبرنامج مدن بدون صفيح، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) لكن فشل هذه البرامج والمخططات، أو على الأقل تعثرها، ساهم بشكل عكسي في تصاعد إمكانات الاحتجاج وتزايد وثيرتها وحدتها. ومن هنا سيتحول الأمل إلى محرك من محركات الاحتجاج بناء على التفسير الذي تبناه رشيق وهو تفسير ينتمي غلى نظرية الإحباط النسبي المعتمدة في فهم وتفكيك السلوك الإحتجاجي.

ينطلق الكتاب كذلك من فرضية أن المجتمع الحضري المغربي ليس مهيكلا بما فيه الكفاية حتى يضمن علاقات هادئة بين الدولة والساكنة[4]. كما يعتبر رشيق أن هشاشة الوسط الحضري سببه خصاص في الوساطة الاجتماعية، خاصة على مستوى الأحياء بالنظر إلى غياب نخب محلية بالأحياء تتولى عملية الوساطة بين الساكنة المهمشة والسلطة ما يجعل إمكانية نشوب صراعات أمرا ممكنا. ينضاف إلى ذلك ضعف الوساطة الاجتماعية والتي يرجعها صاحب الكتاب إلى علاقات الجوار المبنية على الحميمية ما يزهد الفرد في المساهمة الفعلية في تحقيق المطالب الجماعية.

المراجع
[1] عبد الرحمان رشيق، المجتمع ضد الدولة الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب، ترجمة عز الدين العلام، منشورات ملتقى الطرق، الدار البيضاء، 2021 ص 8.
[2] مانويل كاستلز: شبكات الغضب والأمل، الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت، ترجمة هايدي عبد اللطيف، المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات، الطبعة الأولى 2017 بيروت ص 27.
[3] المجتمع ضد الدولة الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب، مرجع سابق ص 8.
[4] المجتمع ضد الدولة الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب مرجع سابق.