توطئة

يٌعتبر يعقوب كوهين من أبرز المفكرين اليهود المناهضين للحركة الصهيونية، والذين يسعون إلى التفريق بين اليهودية كديانة وبين الصهيونية كأديولوجية وحركة عنصرية لا إنسانية. وكانت له في ذلك العديد من المحاضرات والخرجات الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام، سواء العربية أو الفرنسية، إضافة إلى تأليفه للعديد من المؤلفات والمقالات، وحتى التدوينات في وسائل التواصل الاجتماعي على صفحاته الشخصية. ومن أهم إصداراته رواية “ربيع الصيانيم” (le printemps des Sayannim). صدرت الترجمة العربية للرواية عن منشورات “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، وقدم لها أحمد ويحمان (Ouihmane Ahmed) رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع. وصدرت عن مطبعة لينا من 235 صفحة من القطع المتوسط.

تقديم المؤلف

يعقوب كوهين Jacob Cohen، كاتب ومفكر مغربي من المغاربة اليهود، وُلد في حي الملاح اليهودي بمدينة مكناس في المغرب، هاجر إلى فرنسا وحصل على جنسيتها، وهو ومقيم حاليا بالعاصمة الفرنسية باريس. حصل يعقوب كوهين على بكالوريوس في القانون من كلية الحقوق الدار البيضاء، ومن بعدها تابع دراسته في باريس. رجع إلى المغرب في عام 1978م، وعمل أستاذاً مساعداً في كلية الحقوق بمدينة الدار البيضاء حتى عام 1987م. وفي عام 2012 حصل على شهادة الدكتوراه.

بعد حصوله على الإجازة في الحقوق بإحدى كليات الدار البيضاء، أكمل جاكوب كوهين مشواره الدراسي بمعهد الدراسات السياسية بباريس (Sciences-Po) حيث حصل على شهادة التخرج، بالإضافة إلى دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. عاش كذلك كوهين في كل من مونتريال (كندا) وبرلين (ألمانيا) ليعود بعد ذلك إلى المغرب ليشتغل كمدرس بكلية الحقوق بالدار البيضاء من سنة 1978م إلى غاية 1987م. استقر مؤخراً بباريس متفرغا للكتابة حيث لديه عدد من الروايات والعديد من المقالات يقوم بنشرها على مدونته الإلكترونية، وهو عضو بـ«الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام». تعرض الكاتب جاكوب كوهين، يوم الاثنين 12 مارس 2012، لاعتداء من طرف أعضاء من عصبة الدفاع اليهودية بفرنسا، وذلك في أحد مقاهي باريس حيث كان يقدم في لقاء أدبي كتابه الأخير المتعلق بالقضية الفلسطينية. قام المعتدون بتصوير حادث الاعتداء وقاموا بنشره على موقعهم الخاص.

من إصداراته بالفرنسية:

  • حفل زفاف عميد الشرطة لوفينك، الدار البيضاء. 2000م.
  • أنا، لطيفة س. لهرماتان، باريس، 2002م.
  • من خطر الصعود إلى الشرفة، الدار البيضاء. 2006م.
  • ربيع الصيانيم، باريس. تم بيع أكثر من 6000 نسخة منه عام 2010م. (مترجم للعربية سنة 2024م).
  • الجاسوس والصحفي، باريس، 2009م.
  • مصير الأخوات بناني – سميريس، باريس. 2013م.
  • كوماندوز الخليل، باريس 2014م.
  • اعترافات صایان کونتریکولتشر، باريس، 2016م.
  • من محرقة إلى أخرى، باريس 2018م.
  • الأخبار اليهودية المغاربية، باريس 2023م.
  • الموساد يضع يده على تنغير، 2023 ( قيد الترجمة للعربية).
  • أستاذ الفلسفة صاحب البركة، 2024م.

تقديم الرواية

اختار يعقوب كوهين مسارا خاصا في مواجهته للحركة الصهيونية، وأسس لطريق ثالث يتمثل في بناء الوعي المعرفي، وذلك  بتفرغه الكلي للكتابة بعد التدريس الجامعي، وإن كانت جل كتاباته بلغة موليير (الفرنسية) إلا أنه كتب لبعضها الترجمة إلى العربية، فاستفاد منها كل المناهضين للمشروع الصهيوني الإحلالي. وإن من أهم ما كتب روايته “ربيع الصيانيم”، فما الذي يقصده بهذا المصطلح، ومن هم الصيانيم وكم عددهم، وما أهدافهم؟؟؟ وكيف يشتغل الموساد؟ بل كيف يخترق مواقع صنع القرار للتأثير فيه وتوجيهه في مختلف القطاعات الرئيسية بمختلف الدول، العظمى والمؤثرة منها على الخصوص؟.

الجواب تمت صياغته والإجابة عن بعض من هذه الأسئلة من خلال السرد الروائي، وإن عد العديد من النقاد أن الترجمة لا تكون دقيقة، فإن رواية كوهين تشد القارئ إليها بأسلوبها السلس وحبكتها، وترتيب الأحداث فيها، ومحاولتها مخاطبة المشاعر والأحاسيس والوجدان الإنساني، وبسط القضايا أمامه وتحويلها من عالم الخيال وتقريبها إلى عالم الوقائع، لتتضح الصورة وتتجلى الحقيقة ناصعة واضحة، وتكشف حجم الجرم المرتكب. كل هذا تم ببلاغة الصور وسلاسة اللغة، واعتماد الجوانب الفنية والجمالية. والرواية تجاوزت مجالها الأدبي لتصبح رسالة لها موضوعها ومضامينها، لاسيما أنها تقارب قضية شغلت العالم منذ زمن طويل، وهي قضية مركزية للصراع في الشرق الأوسط، “القضية الفلسطينية” وقد ساهمت في كشف حقيقة الصهيونية العالمية.

من المعلوم يقول، ويحمان في مقدمة الكتاب، أن الصهيونية العالمية، نظرية وحركة وكيانا، هي صلب هذا الصراع منذ ما قبل إنشاء ما يسمى”إسرائيل“ سنة 1948م. وتعد ظاهرة هذا الكيان من أهم الظواهر التي استقطبت اهتمام الفاعلين السياسيين الدوليين والباحثين والمتتبعين للشأن الجيوستراتيجي منذ حوالي ثمانية عقود، ولاسيما جانب الحصانة التامة وامتياز الإفلات من أية محاسبة أو أي عقاب أو خضوعه لأي قرار أو أية قوانين ومواثيق دولية. ف”إسرائيل“ محصنة وهي فوق القانون الدولي ولا يمكن محاسبتها عن أية جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم التطهير العرقي أو جرائم إبادة جماعية ترتكبها.. والتاريخ الراهن يشهد بذلك.

ومن هنا جاء التساؤلات تباعا: من أين تستمد “إسرائيل“ كل هذه القوة والنفوذ؟ من أين تستمد كل تلك الغطرسة والصلف والتوحش المطمئن للإفلات من العقاب؟ كيف أسس الكيان الصهيوني مخابراته؟ وكيف أسس لهذه المخابرات شبكة المتعاونين (الصيانيم) في العالم؟ وكيف؟… وهذا هو الأهم في كل هذا… كيف تشتغل الآلة؟. هذا ما تجيب عنه هذه الرواية عن جانب كبير منه، ومن هنا أهميتها. وقد جلى الكاتب هذه الرؤية من خلال هذا العمل بحبك وقائعه وسياقاتها، وخلفيات شخوصه وتمثلاتهم واستراتيجياتهم وسلوكاتهم.

وخلاصة القول هنا هو أن مدير الموساد ”مايير عميت “ عام 1959، خطرت له فكرة استخدام اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل (الشتات) كعملاء نفوذ ودعاية ودعم واستخبارات وتعاون بجميع أنواعه. وسيكون هؤلاء هم يسمى بالعبرية “صيانيم” بمعنى ”أولئك الذين يتعاونون” (les collabos). وسيعمل الموساد على تجنيدهم في كافة المجالات المهمة من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية والمالية والإعلانية والسينمائية والفنية وغيرها.

وبما أن النخبة اليهودية في الشتات لديها المحافل الماسونية المخصصة لها بشكل صارم. ويطلق عليها اسم “بني بريت” أو “أبناء الوكالة” (Bnaï Brit)، يمكن لليهود فقط الانضمام إليها، ويبلغ عدد أعضاها خمسمائة ألف (500000) عضو حول العالم.

يقدم يعقوب مثال صيانيم ممثلي هوليوود الذين تضج بهم استوديوهاتها، وهم من قاموا بإنتاج فيلم عام 1961م بعنوان “الهجرة”  (EXODUS)، والذي حقق نجاحًا عالميًا كبيرًا. يروي الفيلم أحداث عام 1948م، من وجهة نظر صهيونية حصرية: اليهود الطيبون والعرب الأشرار!. وهو ما رهن العقول والذاكرة الغربية لجيل كامل على الأقل. وهناك الكثير من الصيانيم في وسائل الإعلام. ولذلك سوف يساعدون بعضهم البعض، ويعززون الدعاية الصهيونية، ويمنعون العرب من الوصول إليها.

يستخدم الصيانيم سياسة الترهيب، بل والإرهاب الفكري… ويقدم يعقوب حالة روجي جارودي الذي انتقد السياسات الصهيونية فتم محوه من الذاكرة السياسية والأدبية في فرنسا. ستيفان بليه نموذج آخر… وكان ملحنًا، وعازف بيانو لامع، لكنه كان مناصرًا للفلسطينيين… لم يعد لديه أي عقد في فرنسا، وأُجبر على الذهاب إلى المنفى في تركيا حيث انتهى به الأمر بالانتحار…

كثيرا ما يقدم يعقوب مثالا آخر، عندما أرسل العراق علماء إلى ساكلاي Saclay للتدريب النووي، كان لدى الموساد صايان (مفرد صيانيم) يزوده بملفاتهم، مما سمح له باغتيال بعضهم، بما في ذلك رئيس البرنامج النووي العراقي… الخ.

ومن الأمثلة التي يتوقف عندها الكاتب في أيامنا هذه ما نجح فيه الصيانيم، على سبيل المثال، من فرض اعتبار معاداة الصهيونية معاداة للسامية!!!. ويعتبر كوهن أن الخمسة آلاف ”صيان“ فرنسي، الذين يعملون في الموساد، قد حققوا هذا الإنجاز، كما هو الحال في الدول الغربية الأخرى، المتمثل في ضمان عدم ذكر الإبادة الجماعية في غزة المستمرة منذ أشهر في وسائل الإعلام… والويل لمن يعبر عن التضامن الإنساني مع الفلسطينيين، مثل لاعب كرة القدم الجزائري الذي لعب في نيس والذي حكم عليه بالسجن ثمانية أشهر بسبب تغريدة !!.

خلاصة

إن مصداقية الكاتب أعطت لروايته زخما وتأثيرا لكل مهتم بالمجال الإبداعي، لاسيما الجنس الروائي لما له من وقع على النفوس وقدرة على تصوير الواقع، وتناغمت مع تيار الممانعة ومناهضة التطبيع والصهيونية. فكوهين أنزل كل التمثلات والأبعاد التخييلية إلى واقع الناس وحياتهم، وكأنهم أمام مشهد درامي سينمائي مؤثر.

يبقى، قبل الختام، التنويه إلى أن ما أكده وأبرزه الكاتب هو التصاقه بالأرض والتحامه بالواقع، وشخوصه غير متعبة للقارئ فأغلبها اسم حقيقي، وهذا ما جلاه في روايته ما قبل الأخيرة: ”الموساد يضع يده على تنغير“. وقد أهدى الكاتب عمله المتميز إلى كل من يناضل من أجل العدالة لفلسطين…