المحتويات
مقدمة
أخذت المقاومة المعينية بعدها الوطني، متجاوزة منطقة تمركزها، إلى مناطق وقبائل مجاورة تشاركها هم الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، فعبأت وسائلها للتواصل و التنسيق والتحريض على الجهاد و دعمه، خاصة مع تقدم المستعمر الفرنسي و توغله في مناطق الأطلس وداخل المغرب. تنسيق زاوج بين المراسلات و تبادل المعلومات والأخبار أو إرسال مبعوثين استقروا في تلك البلاد المتاخمة لسوس لسنوات كحالة الشيخ سيدي علي بن الشيخ محمد فاضل في الأطلس المتوسط أو الشيخ اشبيهنا الذي ظل في مناطق وادي درعة و تافيلات سنوات عدة، أو كحالة جهادية قلما تحدثت وتناولتها أقلام وهي شخصية الشيخ محمد المامون الذي حارب المستعمر في شمال المغرب والريف… ويظهر هذا الامتداد و التنسيق في رسائل داخلية بين الشيخ أحمد الهيبة أو الشيخ مربيه ربه و قبائل و زعامات بمناطق سوس، زيان، درعة…
وكنموذج يمكن طرحه لفتح باب البحث عن شخصيات وطنية وحدت المغرب في جهاده ضد المستعمر، نقف في هذه المقالة عند قصاصة إخبارية فرنسية تتحدث عن تواجد الشيخ اشبيهنا في بلاد تودغة ومحاولته تعبئة سكان المنطقة ضد الفرنسيين، محاولة تزامنت مع حملات الباشا الكلاوي ضد الثائر التوزونيني.
الشيخ اشبيهنا بن الشيخ ماءالعينين
واسمه محمد الأمين الشبيه ويعرف بالشيخ اشبيهنا بن الشيخ ماء العينين، ولد بنواحي النكش بالساقية الحمراء سنة 1280 للهجرة، الموافق لسنة 1863 ميلادية، عرفه الطالب أخيار بن مامينا بقوله: “كان من كبار العلماء، ثقة ثبتا، شاعرا من المتبحرين في العلوم، كثير الذكر، كثير العبادة، لا يفرغ من عبادة إلا ودخل في أخرى مع كثرة الإنفاق مواظبا على صدقة السر، مناقبه كثيرة.
أخذ جميع العلوم عن والده الشيخ ماء العينين وهو عمدته وبعد أن كبر صار من المدرسين البارزين في مدرسة والده. كانت له مكتبة كبيرة وفيها كتب منسوخة بيده، منها كتاب “الإفصاح عن معاني الصحاح”، لابن هبيرة الحنبلي، وهو جزآن وقد نسخه بيده، وكان في خزانة المحفوظ بن الحضرمي في “وجانْ””.
قال في حقه الشيخ النعمة: “أديب الأدباء ورئيس الحكماء، جهبذ النحارير، كان من أكابر العلماء والألباء، الذين لا تستفزهم العواصف، ولا يعبر عن حسن خلقهم لسان واصف. وله في المروءة من إكرام الضيوف وحسن معاشرة القرباء والغرباء، والانعطاف على الأرامل والضعفاء ما يحير العقل مع الشجاعة والفروسية.”
ذكر ابن العتيق أن “له مؤلفات في فنون شتى كالعقائد والفقه والسيرة، وله ديوان كبير، جله في مدائح أبيه. وكان شعره-رحمه الله- على نمط شعر قحاح العرب، لما له من الخبرة التامة باللغة العربية..”.
ألف في الفقه وله ورقات فقهية محققة كبحث جامعي، كما أن له عدة قصائد في مدح والده الشيخ ماء العينين أدرجت في ديوان «الأبحر المعينية» – (تحقيق أحمد مفدي) – كلية الآداب، فاس – 1976 (رسالة ماجستير مرقونة)، وله ديوان مخطوط.
و يقول الطالب أخيار: “خلّفه الشيخ ماء العينين مرتين على محلته خلال بعض أسفاره: الأولى في سفره إلى السلطان مولاي الحسن الأول عام أربعة وثلاثمائة وألف؛ 1304هـ والثانية في سفره الخامس إلى السلطان عبد العزيز عام عشرين وثلاثمائة وألف 1320هـ”.
كما عرفه صاحب الإفادة بقوله “سكن أول زمنه بالصحراء وأتى لأبيه ولبث عنده زمنا حتى صدره وأعطاه عمامته، وكثرت أتباعه ومريدوه وأمواله، وأقبلت عليه العرب بالهدايا والتحف …”
توفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من صفر عام واحد وخمسين بعد ثلاثمائة وألف (30 من يونيو 1932م). ودفن بمنطقة أكردوس نواحي مدينة تزنيت.
جهاد الشيخ أشبيهنا ضد المستعمر
يشير المؤرخ الطالب أخيار في ترجمته للشيخ متحدثا عن دوره السياسي قائلا: “بعد وفاة الشيخ ماء العينين ظل إلى جانب أخيه الشيخ أحمد الهيبة في “مراكش” و”سوس” يؤازره في الحملة الجهادية وقد عينه الشيخ أحمد الهيبة خليفة على ناحية تافيلالت وقبائل البربر وقصور أدروغين وظل عليها مدة من عهد الشيخ أحمد الهيبة ثم عاد بعد ذلك إلى أكردوس وظل بها إلى أن توفي بها يوم الأربعاء الرابع والعشرين من صفر عام واحد وخمسين بعد ثلاثمائة وألف (30 من يونيو 1932م)”. كما ينقل المؤرخ الطالب أخيار في الجزء الثاني من كتابه عن ابراهيم ياسين صاحب كتاب “جنوب الأطلس تحت حكم الفرنسيين و الكلاويين” قوله: “في بداية شهر أكتوبر 1918م برزت حركة تمرد بقيادة شبيهنة في جبل تيفرنين بين قبائل تلك النواحي لحشد الدعم للشيخ أحمد الهيبة… كما عمل على جباية الأعشار… ومن بين هده القبائل سمكَان لكرارا وأيت تاسلا….”، وهي شهادة تتوافق مع ما أشار إليه صاحب “نعت الغطريس”، ونقلها المختار السوسي، أو كما تحدث عنها الادريسي صاحب “كتاب تودغة”…
عمله الجهادي من خلال وثيقة فرنسية
ومن الأرشيف الفرنسي نورد فقرة من تقرير شهر أكتوبر لسنة 1918م، الذي يرصد مختلف مجريات الأحداث السياسية والعسكرية في المغرب إبان الحماية الفرنسية خلال أشهر هذه السنة، هذه الفقرة تتحدث عن ثائر يسمى مولاي الحاج اشبيهن خرج في جبل تيفرنين محرضا قبائل المنطقة ضد المستعمر، و داعيا لأخيه الشيخ أحمد الهيبة… مع العلم أن الشيخ اشبيهن ظل في مناطق واد درعة لمدة قاربت الأربع سنوات، ورصد المستعمر تحركاته التحريضية ضد الفرنسيين، منذ صعوده شمالا نحو الأطلس (أزيلال) و تقلبه نحو تافيلات حيث لاقى معارضة من الزاوية الناصرية ليتوجه إلى بلاد تودغة (تنغير حاليا)، كما ورد في مصادر عدة من الأرشيف الفرنسي و تحدثت عنه بعض المقاطع الصحفية.
وهذه ترجمة للنص الفرنسي: “تيفرنين .— بعد اتخاذ أولى الإجراءات لاحتواء عدم الاستقرار الذي نتج عن دعاية و خطب المحتال الذي أعلن الهيبة سلطانا في ناحية تيفرنين قام “سي حمو” بردة فعل قوية ضده كان من اللازم فعلا وضع حد للفوضى التي كانت تهدد بالانتشار مؤججة بقدوم بموجات قدوم من تافيلالت.
قامت حركة ممولة من طرف ” گلاوة ” للقدوم إلى تاساونانت حيث التحقت بها كتائب “أولاد يحيى “تحت قيادة القائد العربي. في نفس الوقت كانت سرايا تحتل قصر “آيت حمو” قرب زاوية “سيدي بلال” (واد القابية ) والبرج وتيسليت (واد آيت تيجيلي أونحيحن).
بعد خطة سياسية محكمة تخلت “آيت عيسى” ،”القراصبة”،” آيت تسلة ” عن المحرض الذي لم يعد مسانداً إلا من طرف “آيت سمگان ” و “آيت ساون”. خلال عملية شاملة فُرِّقَتْ قوات المساندين. التجأ المتمرد جريحاً في المعركة وحيداً متخلى عنه، إلى قرية ” تسلة ” حيث استطاع الهروب مغتنماً ظلام الليل. أرسلت كل الأهالي التي كانت تسانده وُفوداً إلى ” سي حمو”.
الإستعلامات متضاربة حول وجهت المتمرد الذي يبدو أن مساره على وشك الإنتهاء. هذا الشخص الذي كان يوقع مراسلاته باسم “مولاي الحاج شبيه أن” كان على علاقة وطيدة بالهيبة والذي تصله به صلة قرابة. تخلى بعد هروبه عن رسائل من طرف الهيبة يأمره فيها باستخلاص العشر من سكان ناحية تيفرنين.
المراجع
[1] سحر البيان العلامة ماء العينين بن العتيق ص 102-103.[2] إفادة الأقربين العلامة ماء العينين بن الشيخ الحضرمي ص11، مصدر سابق.
[3] أنظر الموقع الإلكتروني الشيخ ماء العينبن على الرابط: https://tinyurl.com/nhzdup9y .
[4] أخيار الطالب بن الشيخ مامينا، الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية، ص446-447.
[5] أخيار الطالب بن الشيخ مامينا، الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، مرجع سابق.
[6] أخيار الطالب بن الشيخ مامينا، الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الجزء الثاني.
[7] كتاب حجاج ومهاجرون (علماء بلاد شنقيط - موريتانيا - في البلاد العربية وتركيا)، صفحة 246, الدكتور حماه الله ولد السالم
[8] ابراهيم ياسين، جنوب أطلس مراكش تحت حكم الفرنسيين و القادة الكلاويين ص 122 _124/