
المحتويات
مقدمة
أبو بكر بن علي الصنهاجي، المكنى بالبيذق، أحد أبرز مؤرخي مغرب العصر الوسيط الذي ارتبط اسمه ببدايات الحركة والدولة الموحدية (514هـ – 668هـ/ 1120م- 1269م) وزعيمها المهدي بن تومرت. وكان الرفيق الأول لهذا الأخير وتلميذه أيضا، ومؤلف كتاب “الأنساب في معرفة الأصحاب” وكتاب “أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين”. ورغم شهرة البيذق باعتباره من أهم مؤرخي الدولة الموحدية، وكذا معاصرته لبداية تلك الدولة بل ومشاركته في أهم أحداث تلك المرحلة ومصاحبته المبكرة لابن تومرت وخليفته عبد المؤمن بن علي الكَومي، فإن كثيرا من المعطيات حول حياته لا يُعرف عنها أي شيء، بحيث يتعذر معها تقديم معلومات وافية حول بعض مراحل حياته وخاصة المراحل الأولى منها.
نسبه ونشأته
لا نعثر على شيء حول نسب البيذق باستثناء ما أورده عن نفسه عندما قال: “وعبدكم الفقير المؤلف لهذا أبو بكر بن علي الصنهاجي المكنى باليذق”[1]. كما لا تتوفر معطيات حول تاريخ ولادة أبو بكر بن علي الصنهاجي، ولا حتى مكان ولادته، وكيف عاش طفولته، وأين تعلم وعلى يد من تتلمذ. ومن إسمه نستنج أنه من قبيلة إزناكن أو صنهاجة، لكننا لا نعرف إلى أي فرع من فروع هذه القبيلة الكبيرة ينتمي. وبالنظر إلى صحبته المبكرة للمهدي ابن تومرت، فإن المؤرخ علي صدق أزايكو يميل إلى افتراض أن البيدق قد يكون من صنهاجة الأطلس الصغير القاطنين اليوم في قسمه الشمالي الشرقي، لأنهم جيران منطقة أرغن أو هرغة التي ولد فيها ابن تومرت، وهي أيضا مُنطلق دعوته وحركته، كما افترض أن يكونا قد تعارفا في إحدى مدارس موطنيهما المتجاورين أثناء فترة التعلم الأولى، وذلك قبل أن ينطلقا في رحلتهما إلى المشرق.[2]
لكن كل ما سبق ذكره يبقى افتراضات قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة، خاصة أنه يمكن مواجهتها بسؤال كبير يتعلق بالسبب الذي دفع أبو بكر بن علي الصنهاجي إلى الإحجام عن تسجيل أحداث الرحلة في مختلف مراحلها انطلاقا من المغرب؟ ولماذا لم يبدأ بذلك إلا انطلاقا من مرحلة العودة وابتداء من دخول تونس؟ أم أنه قام بتوثيق كامل الرحلة لكن لم يصلنا منها إلا هذا الجزء الذي بين أيدينا. فمن المعلوم أن كتابة “أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين” بدأه بالحديث عن دخول المهدي إلى تونس أثناء عودته إلى المغرب من رحلته إلى المشرق، حيث قال: “فلما كان بعض الأيام أمرنا بالأخذ على أنفسنا وقال لنا نتوجه إن شاء الله نحو الغرب، فخرجنا من تونس ونحن أربعة نفر كما كنا أول القدوم”[3]. كما يمكن للرجلين أن يلتقيان في المشرق أو في مصر أيضا فأقنع ابن تومرت أبا بكر بمصاحبته مع شخصين آخرين هما يوسف الدكالي والحاج عبد الرحمان، كما وقع له مع عبد المؤمن بن علي وغيره فيما بعد[4].
البيذق.. قصة الكنية
أما عن كنيته “البيذق”، فإن صاحبها لم يذكر شيئا عن أصل تسميته بها. ويستبعد علي صدقي أزايكو أن تطلق على أبو بكر الصنهاجي كنية البيذق بحمولتها السلبية والقدحية المعروفة، خاصة من رفيقه ابن تومرت لأنها تدخل في باب التنابز بالألقاب. وبناء على ذلك فقد رجح أن يكون معناها الآخر هو: الدليل في السفر والماشي راجلا، خاصة وأن هناك وقائع تؤكد لعب أبو بكر بن علي الصنهاجي لهذا الدور، حيث كان دليلا في السفر وماشيا راجلا أمام بغلة المهدي بن تومرت في مواقف عدة. ويبدو أن استعمال كلمة البيذق للدلالة على هذه المهمة لا يمكن أن يتأتى إلا لمن كان متمكنا من المعجم العربي تمكنا كبيرا، والشخص الوحيد القادر على ذلك في الحركة الموحدية الأولى هو محمد ابن تومرت، فيكون بذلك هو من أطلق هذه الكنية على أبو بكر الصنهاجي. ويضيف علي صدقي أزايكو قائلا بشأن هذه الكنية: “ولا يُستبعد أن تكون الكنية الحقيقية لأبي بكر الصنهاجي هي أَفَدَدْ التي تعني بالأمازيغية الدليل والرائد، فعربها ابن تومرت وأصبحت بيذق”[5].
مشاركاته في الحركة الموحدية
بالإضافة إلى صحبته للمهدي ابن تومرت حتى قبل تأسيس الحركة الموحدية، وتتلمذه على يديه، فإن أبو بكر بن علي الصنهاجي قد شارك بفعالية في أحداث تلك المرحلة سواء في عهد ابن تومرت أو خليفته عبد المؤمن بن علي. فقد شارك في أغلب المعارك والحروب التي خاضها الموحدون في عهد ابن تومرت. كما شارك في المعارك الأولى في عهد الخليفة عبد المؤمن بن علي والتي انتهت بسقوط العاصمة المرابطية مدينة مراكش في يد الموحدين.
ويبقى أهم إسهامات البيذق هو هم مشاركته بقلمه في التأريخ للحركة والدولة الموحدية الوليدة ولأخبار المهدي بن تومرت من خلال كتابيه الهامين؛ الكتاب الأول هو: “أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين” والذي تناول فيه البيذق –كما هو واضح من عنوانه – أخبار المهدي بن تومرت وخاصة مرحلة عودته من المشرق وذلك ابتداء من دخوله لتونس حتى وصوله إلى المغرب وبداية الحركة الموحدية ثم بدايات قيام الدولة الموحدية إلى أواخر حكم المؤمن بن علي. وتعود أهمية الكتاب إلى كون مؤلفه شارك بنفسك في صنع أحداث المرحلة التي ألف حولها، فهو شاهد عيان على تلك المرحلة، مما أضفى على المعلومات والمعطيات التاريخية التي تضمنها كتابه كثير من الدقة والتفصيل. وقد بقيت نسخة واحدة من الكتاب وهي التي نسخها الناسخ إبراهيم بن موسى بن محمد الهرغي عام 714هـ، والتي انتهى بها المطاف في دير الإسكوريال بمدريد الإسبانية. وفي سنة 1924م عثر عليها المستعرب الفرنسي العلامة ليفي بروفونصال فترجمه إلى اللغة الفرنسية ونشره سنة 1928. وقد رجح المؤرخ عبد الوهاب بن منصور أن يكون الكتاب الذي بين أديدينا ليس إلا جزء من الكتاب الأصلي الذي ألفه البيذق.[6]
أما الكتاب الثاني فهو “كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب” وهو من الكتابات المفقودة التي ألفها البيذق. وقد وضع مؤلفه مختصرا له سماه: “المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب” مما أتاح للمؤرخين والباحثين الإطلاع على مختصر الكتاب الأصلي المفقود. وقد خصص المؤلف كتابه للتعريف بنسب إمامه ابن تومرت وأصحابه المقربين، وكذا التعريف بالتنظيم السياسي للحركة الموحدية، وبقبائل الموحدين. وفي سنة 1924 عثر عليها المستعرب الفرنسي العلامة ليفي بروفونصال فترجمه إلى اللغة الفرنسية ونشره سنة 1928[7].
وفاته
وكما لا نتوفر على معطيات دقيقة على تاريخ محدد لولادة البيذق، فإننا لا نتوفر إلا على تخمينات حول تاريخ وفاته والتي يرجح أن تكون في عهد يوسف ابن عبد المؤمن، وبالتحديد في أوائل توليته كما ذهب إلى ذلك المؤرخ علي صدقي أزايكو[8]، وذلك بالنظر إلى أن تأليفه حول “أخبار المهدي..” توقف عند حديثه عن خلافة أولاده، والتي كانت حسب روايته في حياة أبيهم عبد المؤمن بن علي بن الكومي.
المراجع
[1] البيذق أبو بكر الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور للطباعة والوراقة، 1971- الرباط، ص 12.[2] أزايكوعلي صدقي ، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية، منشورات المعهد المكلي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2004، ص 89.
[3] البيذق أبو بكر الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور للطباعة والوراقة، 1971- الرباط، ص 12.
[4] أزايكو علي صدقي ، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية، مرجع سابق، ص 89-90.
[5] أزايكو علي صدقي ، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية، مرجع سابق، ص 92.
[6] أنظر: البيذق أبو بكر الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، مرجع سابق، ص 7-9 (مقدمة المحقق).
[7] أنظر البيذق أبو بكر بن علي الصنهاجي، المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرابط -1971، ص 6-7 (مقدمة المحقق).
[8] أزايكو علي صدقي، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية، مرجع سابق، ص 89.