توطئة

تجتمع في الرواية مجموعة من العوامل تدفع القارئ للاستمتاع بها مثل متعة السرد، متعة التخيل، والتي تأتي للإنسان من خلال تخيل للأحداث، وللشخصيات، والوصول إلى المجهول، ومتعة اللغة حيث يستخدم الكاتب لأدواته الفنية من اللغة والمتمثلة في العناصر اللغوية المتعددة من التصوير والاستعارات والكنايات والبلاغة وغيرها من الأدوات اللغوية الأخرى. وهناك أيضا متعة الإيهام بالحقيقة، فالكتابة الناجحة من مقوماتها توافر عنصر الصدق وكأن الرواية واقعية تشبه مجريات الحياة التي يعيشها الإنسان أو التي يجد غيره من حوله يعيشها بالمثل، يضاف إليها المتعة الشعورية والمتمثلة في التشويق والإثارة. وتستمد الرواية متعتها من قدرتها على أنها تعكس واقع الإنسان، وتقريبها لشخوصها. في سفر عبر الزمن يحلق بنا الأديب الناقد والمترجم سعيد بلمبخوت في عوالم عبر ثلاث فترات، ما قبل الحماية، خلال فترة الحماية وما بعدها، من خلال روايته “زهرة بعبير التراب”. وقد استطاع الروائي أن يعد روايته بحبكة نمطية، وأخرى مركبة، مما جعلها تشد القارئ إليها.

تقديم الكاتب

الكاتب والمترجم والناقذ سعيد بلمبخوت، من مواليد 1959 بإقليم الجديدة – المغرب، كاتب ومترجم.وهو إطار إداري سابقا، ومتقاعد حاليا.

  • ترجم رواية “الحضارة أمي”، لإدريس الشرايبي، إبداعات عالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت 2014م.
  • ترجم كتاب “الثورة الرقمية ثورة ثقافية؟”- عالم المعرفة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت- 2018م.
  • ترجم من العربية إلى الفرنسية رواية «رجل متعدد الوجوه” لإبراهيم الحجري، دار اديليفر، باريس، فرنسا، 2018م.
  • ترجم رواية «حكاية سيدة مازغان»، لنيلسيا دولانوي- دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2019م.
  • ترجم رواية “العسل”، سلوبوضان ديسبو- دار رؤيا للنشر القاهرة، مصر، 2021م.
  • ترجم رواية ” أرض الرجال” ، أنطوان دو سانت إيكزوبري، دار ضمة للنشر، الجزائر، 2021م.
  • ترجم کتاب “مازاغان المدينة التي عبرت المحيط الأطلسي”، لرولان فيدال – دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2021م.
  • ترجم رواية “المرأة العجوز في الرياض”، لفؤاد العروي، دار الفاصلة – طنجة.
  • ألف بالفرنسية رواية «Les lauriers d’Isabelle» دار اديليفر، باريس، فرنسا 2016م، دار اديليفر، باريس، 2017 .
  • ألف بالفرنسية مجموعة قصصية «Moments fugaces».
  • كتب مجموعة قصصية تحت عنوان «همس الكلمات وقصص أخرى»، دار نور للنشر، ألمانيا، 2017.
  • آخر إصداراته رواية “زهرة بعبير التراب” 2025م، كما ترجم بمناسبة صدور كتابها الأكثر مبيعا “شقائق نعمان شتوية، لم لا” لبيتي بول، إلى اللغة العربية، بعد 15 عاما من صدور النسخة الفرنسية، كما نشر عدة مقالات في المجلات والصحف العربية. وأعد الملف (33) لمجلة ذوات العرب والغرب، الجوار الصعب، فبراير 2017م. كما يعتبر الكاتب والمترجم بلمبخوت عضوا مؤسسا لصالون مازغان للثقافة والفن بالجديدة.

 إطلالة على الرواية

رواية “زهرة بعبير التراب” للكاتب والناقد والمترجم سعيد بلمبخوت تقع في 244 صفحة، صدرت عن الفاصلة للنشر – طنجة. وتدور أحداث الرواية في العديد من الأمكنة، وفي إحدى البوادي القصية تبدأ الحكاية، التي تسافر بنا عبر الأزمنة. فبعد أن وصل أحد المستوطنين الفرنسيين إلى ذلك الفضاء ستتغير الأحوال ولن تستقر حول ذلك الوافد الأقوال، مرة تسمع بأنه جاء حاميا وله مصلحة، ومرة أخرى يقولون بأنه كغيره مستعمر لا تهمه شؤون ولا مصلحة العباد والبلاد… إقامة فاخرة ستبنى في الدوار، بيت عجيب ليس كبيوت الأهالي المتواضعة. شقراء باريسية ستحل بتلك الإقامة، كانت ذات حسن وجمال، ستبهر إيزابيل الصغير والكبير. ساكنة الدوار سيلاحظون بأن الوافد غوستاف يستخرج من الأرض الكثير من الخيرات بفضل استعماله طرقا عصرية في الإنتاج. إيزابيل تستأنس مع نساء الدوار، بالأخص مع رقية وفاطنة، ستكونان صلة وصل، لوصف زوجة الوافد. يرتبط الحاكي بذلك المكان بكل مكوناته. دوار أولاد العزة، بالنسبة للحاكي لا يضاهيه أي مكان.

أنشأ الوافد مسبحا رائعا بتلك الإقامة. وبجوار المستوطن غوستاف ظل سيدي علي متشبثا بالمكان. فلاح بسيط، تحمل عناء جلب الماء لكي يسقي حقله المتواضع كلما اشتدت الحرارة، وكانت له أمنية: أن يساعد ولده رشيد للذهاب بعيدا عن ذلك المكان. ومن أجل ذلك يتعين تسجيله في المدرسة التي أنشأها المستعمر. سيدي علي كان على وعي بأن ذلك سيكلف مصاريف أخرى، وكان المحصول بالكاد يلبي بعض الحاجيات. يحل الصيف ويشتد القيظ فتحتاج المزروعات أكثر فأكثر للماء. وعلى مضض سيحتاج غوستاف في طلب. كانت رغبته أن يسمح له بتغيير أحد المجاري، حيث كان يلاحظ بأن الكثير من المياه كانت تتدفق من فوق إلى تحت بين الحين والآخر. وتلك المياه تتدفق لتفريغ وتجديد مياه المسبح.

زهرة بنت الدوار، رمز للعفة والكرامة، بعد زواجها من فاتح، سيرحل هذا الأخير عن المكان. إلى أين!؟ إلى ما وراء البحار، من أجل المشاركة في حرب مع جيوش بلد الوافد الذي يحتل/ يحمي بلده… هكذا كانوا يقولون… وتبقى هناك زهرة تنتظر البطل، فطال الانتظار. قطع الأهل الأمل في عودة الغائب “فاتح” فتم قبول خطبتها من طرف لالّة منانة لتكون ضرة لها وزوجة لزوجها سيدي علي… السيدة منانة هي التي ظلت تلح على زواجه من زهرة، فهربت… كان فاتح لا يزال في القلب. في طريقها نحو المجهول ركبت سيارة مع رجل غريب… الغريب ليس كباقي الرجال… لم يخدش كرامة تلك الشابة التي كانت في غاية من الحسن والجمال… كان الجو حارا، بجانب النهر، عرض عليها النزول للقيلولة. أشار إليها بأن تعد الغذاء، وراح الغريب يرسم. وقد أبدع في رسم لوحة، لم يرسم مثلها طيلة حياته الفنية… مع اقتراب الغروب، ركبت بجانبه للسير نحو المجهول… وستبيت مرعوبة في دار الغريب… باتت لوحدها. في الصباح، وجدت كل شيء كان على ما يرام، لم يمسسها أحد، وذلك ما كانت تريد… وهكذا كانت تأمل. ترك لها رسالة… اللوحة التي رسمها الفنان لزهرة سيذيع صيتها عبر العالم، وبالتالي سيصبح من أكبر الفنانين في هذا العالم. لكن شاءت الأقدار أن يتوفى بعد أن جلبت له لوحة زهرة المال والشهرة… وقد كان أمله الرجوع ليرى زهرة… لكنه ترك وصية حيث ترك ما يملك لزهرة… وبذلك أصبحت زهرة بين عشية وضحاها امرأة غنية… زهرة العصامية، التواقة للعلم والمعرفة، تعلمت الكتابة والقراءة، فأصبحت سيدة مثقفة ذات مكانة… لكنها لم تنس البلدة حيث ستلتقي مع رشيد الذي عاد من بلاد المهجر… وكان ذلك اللقاء بداية للتفكير في مصير تلك البلدة التي طالها النسيان والعبث… ظلت ذكرى ذلك المنزل الرائع االذي أصبح خرابا عالقا في ذهن رشيد. فقام بمساعدة زهرة في جعله منتجعا سياحيا قرويا… وهناك ستعود إيزابيل وبنتها لتزور ذلك المنزل الذي أمضت فيه أياما جميلة مع غوستاف… ومن حسن الصدف أن تقبل ايزابيل البقاء للسهر وإدارة ذلك المنتجع…

 خاتمة

إن رواية “زهرة بعبير التراب” عبارة عن ذكريات تركز على الأهمية الجغرافية والتاريخية والرمزية والدلالية لمسقط الرأس وما يمثّله في الوعي والذاكرة، حيث يمتد المتن الحكائي على ثلاث فترات، ما قبل الحماية، خلال فترة الحماية وما بعدها، بمعنى آخر: الماضي، والحاضر، والمستقبل. أما الفضاء المكاني فيتنوع في الداخل بين مسقط الرأس في البادية والانتقال إلى عوالم أخرى غريبة تبدأ من أقرب مدينة من أجل الدراسة وبعدها نحو عوالم أخرى أغرب في أوربا، ثم الرجوع في آخر المطاف نحو مسقط الرأس…  تشد أبطال الرواية النزعة النوستالجية للزمن الجميل أيام الطفولة في دوار أولاد العزة.