المحتويات
توطئة
بوأ الإسلام المرأة مكانة لم تبلغها في أي أمة من أمم الأرض الأخرى، ولا يمكنها أن ترقى إلى هذه المنزلة التي شرفها بها الإسلام في ظل أي قانون أو شريعة من الشرائع الوضعية أو غيرها. وقد حاول أعداء الإسلام وما زالوا يكيدون لهذا الدين الحنيف، في محاولات بئيسة من أجل النيل منه، وبث سمومهم بكل ما أوتوا من قوة وأساليب المكر والخداع والبهتان، والتضليل، وركزوا في معركتهم على المرأة وادعاء انتقاص الإسلام لها وتحقيرها وإنزالها منزلة لا تليق بها، واستخدموا في ذلك التأويل المضل وفسروا الأحاديث بهواهم وعمدوا إلى بعض نصوص الكتاب والسنة فحملوها ما لا تحمل من المعاني، وذلك من أجل إخضاعها لأهوائهم الخبيثة، وافتروا على الله الكذب حين قالوا إن الله ظلم المرأة في آية الميراث التي تنص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين، تعالى الله عما يقوله الظالمون علواً كبيراً، وكذلك في شأن القوامة التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: (الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) النساء الآية 34.
ولمواجهة الشبهات ودحض الافتراءات ألف الأستاذ حماد القباج كتابه الموسوم ب “منزلة المرأة في الإسلام وتعديل مدونة الأسرة” بمقاربة تحليلية وتفكيكية، ولكي يبين المكانة الاجتماعية والأحكام الفقهية والقانونية؛ ولاسيما الأحكام الأسرية التي يريد البعض تغييرها في المدونة؛ مع الكشف المفصل للشبهات التي تثار حولها .
مضامين الكتاب
صدر الكتاب عن مؤسسة إحياء، ونشره مركز التراث الثقافي المغربي، عدد الصفحات 460، الطبعة رجب/فبراير 2024 م، تقديم وتقريظ العلامة محمد الصمدي عضو رابطة علماء المغرب، والدكتور زين العابدين بلافريج أستاذ التعليم العالي.
إن من محاسن الإسلام الكثيرة؛ ما جاء به من الإصلاح العظيم في وضعية المرأة، حيث دعا إلى العناية بها، وتخليصها مما يضرها، وشرع من الأحكام ما يضمن التوازن بين حقوقها وواجباتها؛ بما يحقق مصالحها في الدارين، ويجعلها قائمة بما خلقت من أجله.
وقد فسر كثير من علماء وكتاب المسلمين هذه الجملة، وتناولوا موضوع المرأة من جوانب كثيرة، فكانت تلك الأعمال ثروة مهمة، أسهمت كثيرا في صحوة النساء، وسعيهن المشكور في الاستقامة على دين الإسلام، وبناء حياتهن الفردية والأسرية على هديه العظيم، وهذا مكسب مهم لمجتمعاتنا الإسلامية، التي تنشد الإصلاح والتنمية.
وإن من الحقائق التي صارت معلومة لكل ذي فهم، أن أعداء الإسلام استهدفوا المسلمين بغزو عسكري وفكري لتحقيق مجموعة من المكتسبات، أهمها فصل المسلمين عن دينهم بعد أن ثبت عندهم بالتجربة والبحث والدراسات الكثيرة أنه مصدر عزتهم وسبب قوتهم، وأنه لا مجال للسيطرة على خيراتهم واستعبادهم والتحكم في شؤونهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا بإزاحة الإسلام ــ عقيدة وشريعةــ من حياتهم، وإبعاد المسلم عن دينه وتنفيره منه (الكتاب، ص: 31).
وإن من أهم الأمور التي دخل الغزاة عن طريقها إلى هدم الإسلام، المرأة لأنهم يدركون الميل الذي لدى كل من الرجل والمرأة للآخر، وأن النفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله، فوضعوا نصب أعينهم أن يمسخوا المرأة بإفقادها الحياء، والعمل على إخراجها من بيتها وسلخها من حجابها وإقحامها بين الرجال تفتنهم بجمالها، وبهذا تصبح الفواحش أمرا متفشيا، لأن دافع الشهوة القوي مع قلة الدين وكثرة المخالطة وعدم الاكتراث أمور قل أن تجتمع فيسلم صاحبها من الفاحشة (الكتاب، ص: 33).
وقد استخار المؤلف الله تعالى في تأليف كتاب جامع، من أجل بيان هذا الواقع، والتحذير من شره المستطير، وتوضيح أن التحرير الذي فيه إكرام للمرأة ورفع للظلم عنها، قد حصل لها منذ أن أوحى الله بالإسلام لنبيه عليه السلام، ولم يكن دين الله ليقصر عن فضيلة يحققها البشر، فلا حاجة لنا إلى غيره من المبادئ والمذاهب التي يريد أصحابها فرضها علينا باسم إنصاف المرأة وتمتيعها بحقوقها؛ فما فيها من خير فهو في ديننا، وما فيها من شر فلا حاجة لنا به (الكتاب، ص: 35).
وهكذا فقد وضح في هذا الكتاب – بما عنده من علم الشريعة الغراء المنزلة الرفيعة التي تبوأتها المرأة في الإسلام، والحقوق التي متعها بها في المجالات كافة، كما أشار إلى التكريم الخاص الذي حظيت به أما وبنتا وزوجة في نصوص القرآن والسنة.
وقد تناول شبهات أعداء الإسلام أو على الأقل أهمها المتعلقة بالمرأة والأسرة تداولا قصد به بیان أنها افتراءات وأباطيل يمليها الحقد على الإسلام والجهل بأحكامه كما تقررت في القرآن والسنة.
كما بين كذلك أن الإسلام يرفض ما مورس على المرأة من ظلم وإهانة واعتداء سواء كان صادرا من المسلمين أو من غيرهم. وممارسات المسلمين المنحرفة ليست حجة على الإسلام، فهو منها بريء، والجهل بهذه الحقيقة كان من الأسباب الكامنة وراء العداء القوى الذي يحمله كثير من الغربيين والمستغربين لدين الله (الكتاب، ص: 36).
وغاية المؤلف، بعد كل ما سبق، ليس رسم صورة جديدة للمرأة فهذا لا يجوز وكل ما هو مطلوب إزالة الغبار عن الصورة الأصلية القديمة وإعادتها جديدة كما جاءت في الكتاب والسنة وهذا هو معنى التجديد في الإسلام.
وزاد المؤلف، أنه في الوقت الذي سعى فيه لإزالة اللبس الذي قد يحصل لبعض الناس في هذا الموضوع، بسبب مغالطات أعداء الإسلام وافتراءاتهم التي حاولوا أن يشوهوا بها صورة المرأة في التشريع الإسلامي، وفي الوقت الذي بين فيه بعض الحكم التي قصد إليها الشارع من خلال بعض ما شرعه من الأحكام في هذا الباب، فإنه يؤكد رفضه للمسلك الذي سلكه بعض الكتاب، مما يمكن أن نسميه بالمواقف الاعتذارية في الدفاع عن الإسلام، كقول بعضهم “من المعلوم أن الإسلام لا يسمح بتعدد الزوجات إلا في حالات محدودة كعقم الزوجة أو مرضها” مما ينم انهزام نفسي (الكتاب، ص: 41-42).
وقد جاءت فصول الكتاب بعد المقدمة على الشكل التالي: القسم الأول وعنونه ب “منزلة المرأة في الإسلام وتضمن أربعة أبواب، الأول: زجر الإسلام عن الممارسات الجاهلية المهينة للمرأة والمضرة بها، الباب الثاني: المرأة في الإسلام، الباب الثالث: بيان إجمالي لحقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، الباب الرابع: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم. وعنون القسم الثاني ب ” كشف الشبهات”، وبه ثلاثة أبواب، الأول: شبهة المساواة، الثاني: أعداء الإسلام وإنكار الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والأسرة، الثالث: أعداء الإسلام وشبهة الأحاديث المسيئة إلى المرأة.
خلاصة
لقد دافع المؤلف عن مكانة المرأة في ظل الأحكام الشرعية التي شرعها الله تعالى في شأنها بنتاً وأختاً وأماً وزوجاً وأرملة وحدة وعمة وخالة، وأثبت بالحجة القاطعة أن الله أعطاها من الحقوق ما لا يمكن أن تناله عند غيرها من بقية الشرائع الأخرى والقوانين الوضعية، وبذلك يكون قد أفحم كل من يدعي أن المرأة هضم الإسلام حقها، فهي إذ تنتظر من ينصفها، فتلجأ حينئذ إلى المنظمات النسوية التي تستنجد بها لتنال حقها بواسطتها، فلا تلجأ في الحقيقة إلى هذه المنظمات النسوية التي تعادي الإسلام إلا من ضعف إيمانها بربها وجهلها أمر دينها، وإلا فالأعداء لا يصطادون إلا الجهال أو الجاهلات من أتباع هذا الدين العظيم، أما من ترسخ الإيمان بشغاف قلوبهم فإنهم لا يصغون إلى أباطيلهم.