
المحتويات
توطئة
أدت التحولات السياسية الراهنة والتفاعلات الجيواستراتيجية في المشهد السياسي العالمي الحالي والاختلالات الحاصلة في ميزان القوى الدولي إلى بوادر تشكيل هيكلة عالمية جديدة تقوم على أساس التحالفات الدولية لإعادة فرض توازن جيوسياسي جديد في النظام العالمي القائم. وقد أبانت جائحة كورونا وما تلاها من أحداث أننا إزاء مرحلة تحول تاريخية وانعطافة كبرى تجعلنا نطرح سؤالا محوريا يشكل الإطار العام للأفكار والفصول التي يتطرق إليها هذا الكتاب، فهل نعيش لحظة يمر العالم فيها ما بين نظام دولي قديم “في طور الانتهاء” ونظام دولي جديد “لم يستقر بعد” ؟
بطبيعة الحال ليس هناك جواب قطعي أو إجماع دولي حول مستقبل محدد للنظام العالمي ولتوجهاته الرئيسية، خصوصا بعدما طغى “اللاّيقين الحاد” في المستقبل وزاد التركيب والتعقيد في البيئة العالمية وما واكبه من تلاشي لمجموعة من القناعات والبديهيات واليقينيات التي كانت تحكم النظام الدولي؛ ولكن هناك توقعات ودراسات استباقية وسيناريوهات مستقبلية تحاول استشراف الديناميات الناشئة والتحولات المحتملة والعوامل والتحديات التي ستبصم العالم في المستقبل المنظور، وفي هذا الإطار يأتي كتاب “مستقبل النظام الدولي في ظل التفاعلات الجيواستراتيجية الراهنة” لمؤلفه الدكتور نوفل الناصري، والصادر عام 2025 عن دار سليكي أخوين للنشر والتوزيع –طنجة.
مضامين الكتاب
ولمقاربة هذه الرؤية والأفكار والمواضيع وتسليط الضوء على التفاعلات الجيواستراتيجية الراهنة والجواب على السؤال المركزي للكتاب، قام الكاتب بتقسيم هذا الأخير إلى تسعة فصول مترابطة فيما بينها وهي كالتالي:
- الفصل الأول: يتطرق لنشأة النظام الدولي ولمظاهر التأثير والهيمنة الأمريكية عليه وعلى مؤسساته، وأهم أسباب التفوق الأمريكي. كما أشار الفصل لأبرز التحولات التي عرفتها واشنطن بعد 20 سنة من الحرب على الإرهاب وكيف غرقت في متاهة معارك متشتتة لا نهاية لها. وفي سياق آخر، تناول هذا الفصل أهم علامات تصدع النظام الدولي قبل جائحة كورونا وبعدها والتي أكدت الافتقار للقيادة العالمية، وكشفت توجها نحو عدم الاستقرار في النظام العالمي، وعدم قدرة القوة المسيطرة –الولايات المتحدة الأمريكية- على اتخاذ القرار بمفردها، بل أصبحت تواجه تحالفات ضدها وبدأ العالم يشهد بروز قوى أخرى تملؤ كل فراغ أحدثه انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب في مربع الزعامة العالمي.
- الفصل الثاني: بعنوان المستقبل وتفعيل قانون التداول الحضاري، وهو يتطرق للصراع الأمريكي الصيني وحتمية السقوط في “فخ ثوسيديديس”، كما تم عرض ملامح السياسة الأمريكية الجديدة في منطقة آسيا لمحاصرة الصين وزعامة القرن الحادي والعشرين، وأوجه التدافع الأمريكي الصيني وحرب النفوذ بينهما.
- الفصل الثالث: يتناول حقيقة التنافس الأمريكي الصيني، ويغوص في الأسباب الخفية والمعلنة لهذا التدافع من قبيل توجه الصين إلى إنشاء نظام ذكاء اصطناعي من الجيل الجديد، وتوسيع حصتها من السوق الدولية، وريادتها الاقتصادية المحتملة في ال10 سنوات القادمة، و تزايد القوة العسكرية والنووية لبكين ومساهمتها في تشكيل “البنية الأمنية الدولية”. إضافة إلى محاولات التحكم في المحيط الهادي والهندي والهيمنة على آسيا.
- الفصل الرابع: يستعرض نظرية الصين لبناء “مجتمع مصير مشترك للبشرية” كبديل عملي لبناء نمط جديد من العلاقات الدولية، سيساهم في ربط الصين بالعالم وربط العالم بالصين. كما تم التطرق لمبادرة الحزام والطريق كأضخم مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية ومع تسليط الضوء على التحديات والإشكالات والنواقص التي تعتري تنفيذ هذا المشروع الكبير.
- الفصل الخامس: يناقش صعود الصين كقوة عظمى تشارك في تشكيل وقيادة النظام الدولي المستقبلي، كما يستعرض خصائص ومجالات الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية والتجارية والسياسية مع روسيا وأفريقيا والدول العربية والدول الآسيوية والاتحاد الأوروبي ودول أمريكا اللاتينية، وكيف ساهمت هذه الدبلوماسية في تعزيز التعددية القطبية على مستوى العالم.
- الفصل السادس: يحاول تسليط الضوء على المساعي الروسية الحثيثة لاستعادة دورها وريادتها العالمية وتأكيد هيمنتها الإقليمية، وكيف استطاع الرئيس بوتين تسوية العديد من ملفاته الداخلية والخارجية الشائكة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وكيف فتحت روسيا مسارات تعاونية مع مناطق جديدة في العالم، وقد تناول الفصل مبادئ وأهداف ومرتكزات السياسة الخارجية الروسية، وكذا مظاهر الصراع الأمريكي الروسي للتحكم في الطاقة حول العالم، وكيف استطاعت موسكو تعزيز نفوذها العسكري في البحر الأسود، كما تطرق لأسباب وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية والخطط العسكرية لكل طرف وسيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب.
- الفصل السابع: بعنوان سياسة أمريكا الخارجية والتحولات المحتملة، وهو يُفصّل التهديدات والتحديات التي ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة، ويُقدم تحليل وقراءة في الدليل الاستراتيجي للأمن القومي الأميركي والتغيرات المستقبلية في السياسة الأمريكية، وطبيعة العلاقات التي ستحكمها مع الصين وروسيا، وإستراتيجية التعامل مع قضايا الشرق الأوسط والملف الإيراني ومكافحة الإرهاب والتغيرات المناخية وتحديات القارة الإفريقية. كما تطرق الفصل للفرص المستقبلية للإدارة الأمريكية الجديدة والتي ستمكن واشنطن من استعادة مكانتها العالمية.
- الفصل الثامن: يستشرف سيناريوهات عالم ما بعد كورونا بالاعتماد على التقارير الاستشرافية والدراسات المستقبلية التي تطرقت لهذا الموضوع، خصوصا في الشق المتعلق بالتنافس الأمريكي الصيني ومآلات الاتحاد الأوروبي والعلاقات عبر الأطلنطي، والإستراتيجية الموحدة لهذا الأخير من أجل مواجهة الصعود الصيني. كما استعرض الفصل الاتجاهات العالمية لسنة 2040 الذي يصدره مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي والسيناريوهات الخمس البديلة والاتجاهات الأربع العالمية وكذا الديناميات المستقبلية الناشئة.
- الفصل التاسع: يتطرق للأولويات المستقبلية للنظام العالمي وسبل تجاوز تداعيات جائحة كورونا واحتمالية تشكيل وقيام “وفاق عالمي جديد” وأدواره الرئيسية والمهام المنوطة به، وورؤية التموقع الحكيم لأمريكا من أجل استعادة مكانتها العالمية وضمان الاستقرار في القرن 21.
خلاصة
يتناول إذن كتاب “مستقبل النظام الدولي في ظل التفاعلات الجيواستراتيجية الراهنة” مجال التحليل الجيواستراتيجي لمحددات ومتغيرات النظام العالمي الحالي وطبيعة التفاعلات السياسية الراهنة وآثارها المحتملة على بنية العلاقات الدولية. وقد ركز على استنباط التوجهات العالمية التي ستحدد ملامح عالمنا المستقبلي من خلال مدارسة وتفكيك وتحليل تقاطعات الدراسات الاستشرافية والتقارير المستقبلية الرصينة، كما تطرق لخريطة توازن النظام الدولي وفهم الأسباب الخفية والمعلنة للصراعات الدولية الحالية ولمجالات التنافس المستقبلية والشكوك الرئيسية التي ستشكل البيئة الاستراتيجية العالمية واللاعبين الحاليين والمقبلين في النظام الدولي.