
المحتويات
توطئة
بادَر أحد أفراد أسرة الشهيد الزرقطوني بإصدارِ كتابٍ بعنوان “محمد الزرقطوني؛ قِيَم إنسانية صَنَعت فعْل الشهادة”، قَدّمَ له الباحث أسامة الزّكاري، في طبعته الأولى سنة 2015 عن منشورات مؤسّسة الزرقطوني للثقافة والأبحاث؛ يُقدّم فيه رحلةً في العالم الخاص لأسرة الزرقطوني، وإطلالة مِن الداخل على مسيرة المناضل المغربي الـمتوثِّب الجسور محمد بن علي الزرقطوني (1927-1954).
شُهود وشهادات مِن الدّاخل
ثلاثة عشر فصلاً هي مجمَل بنية الكتاب السِّـيَرِي[1]، الذي حَمَلَ مسؤولية إنارة جوانِب الـعَتْمة والخصوصية في ما لَم تتطرَّق إليه الكتابات والشّهادات السابقة في حقّ الشهيد، وتعقَّبُ مَساره مُعزِّزاً ذلكَ بصُورٍ حميمية واعترافاتٍ تُعرَضُ لأوّل مرةٍ -كِتابةً-، وإعطاء مَـضمونٍ قِـيَمِي وأخلاقِي لكلّ العوامل الثّقافية والدّينية والاجتماعية التي جَعَلت من محمد الزرقطوني ما كانَ عليه وصارَ إليه، ولا غَرو، فعنوان الكتاب دالٌّ على ذاك: “محمد الزرقطوني.. قِيمٌ إنسانية صَنَعت فِعْلَ الشّهادة”.
رغم الاستِطرادات الكثيرة في بعض فصول الكتاب؛ إلّا أنَّ جوانِب الإضافات واللمسات الخاصة والشهادات والشهودُ الـمُعتمَدين في تقديم رؤيةٍ من الداخل عن حياة وتفاصيل لحظات التربية والتنشئة والتضحية والفدائية في مسيرة الزرقطوني؛ ذاتُ فائدة تاريخية وتوثيقية هامة.
إننا في هذا الكتاب نتعرَّف على محمد الزرقطوني الإنسان، الفتى ثمّ الصبي ثم المراهق فالشاب وسْطَ أسرةٍ محافِظة متماسكة. ونتعرَّف عليه وهو يتَرعرع في مركز الوعي الوطني بحاضرة الدّار البيضاء؛ المدينة القديمة، ويُشْحَنُ بالجو النّضالي الذي كانت عليه السّاكنة ونخبتها الوطنية المخلِصة، ويُصاحِبُ والِدَه القَــيِّمَ على الزاوية الحمدوشية، ويتَلَقَّى منه أصول التدين والوطنية والنضال معاً.
السّنَد القيمي للمناضِل المغربي
تؤكِّد شهادَة قريبِه هذا؛ الأستاذ أحمد الإبريزي أنّ الزرقطوني كان شابًّا مُفْعَما بالحيوية، أنيقاً في كل شيء، حريصاً على نظافة هندامه، ووفِــيّاً لأبَوَيه، مُطيعًا لهما، ومُحِبًّا لأخواته البنات الثَّلاث. كما أورَدَ شهاداتٍ تؤكِّد شَغَفَ الزّرقطوني بالمطالعة، وولَعِهِ بالرياضة، ولا سيما كرة القدم، التي من شِدّةِ حبِّه لها أسّسَ “فرقة المـيلودية البيضاوية”.
تُفصِح وثائق ومعطيات الكتاب أنّ الزرقطوني كان مسنوداً في عمله ونضاله ووطنيته بقيم مرجعية، أسرية ودينية ووطنية وإنسانية، جعلت منه شخصية تَنْفر مِن التّـقاليد البَالية والمعتقَدات الـخرافية، وتَــتَّسِمُ برُوح المسؤولية، والهدوء، ولكن خَلْفَ هذا الهدوء كانت تَنطوي شخصية ثائرة على الظُّلم، ثورية في اتّخاذ القرارات المرتبِطة بالوطن، لم تَصْرفْها مَلْهيات الوقت ولا شؤون العائلة ولا التّجارة والتّكسّب ولا العِلْم عن الاهتمام بما عليه حال الشَّعب المغربي، وبما يَعيشه الوطن من آلام.
في الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع؛ يَقتفي الكِتاب آثار انطلاقِ الزرقطوني في تفعيل قناعاته الوطنية وروحه الثورية، خَطوةً خَطوة، نراهُ يخرُج من قَوْقعة الاهتمام بما هو خاص، إلى رِحاب الاهتمام بالوطن وأوجاعه، والشّعب وآلامه، ويَدخل المعترك السّياسي، ويَرفعُ تحدِّي تأطير الشّباب والفتيان، ويَتَحَمّل مسؤولية تنظيم الأنوية الأولى للمقاومة الحضَرية، ويَغْرِسُ أفكار الوطنية والدّفاع عن البلاد ضدّ المحتل في عقول كلّ من يُلاقيهم.
أكَّدَ قريبُ الزرقطوني، الأستاذ أحمد الإبريزي أنَّ الشهيد إبّانَ انخراطه في التّحضير للاحتفال بِعِيدِ العرش؛ كان يحرص على اقتناء الأعلام الوطنية للبلدان المغاربية الشقيقة، ويحضّ شُبَّانَ لـِـجَانِ تزيينِ مدينة الدار البيضاء بِوضْع تلك الأعلام جَـنْبًا إلى جنب مع العَلَم الوطني المغربي، للتأكيد على وحدة المصير، وما يجمع المغاربيين مِن قواسم مشتركة وتضامُنات عابرة للحُدود الاستعمارية الوهمية.
ويوثِّق لنا من قَريب؛ ما كان يهمِسُ به الزرقطوني لأقرَب أقربائه وأخْلَص إخوان العمل الفدائي، من بُغضه للاستعمار، واستِثقاله العمل في القطاعات التابعة له، وكُرْههِ للعملاء والخونة، فقد “كان يَعتبر الخونة الخطر الأكبر على الوجود الوطني”[2]. وقد كان رحمه الله صادِق الحَدْس في هذه المسألة، لأنّ نهايته الفَجيعة كان مِن ورائها عمليات وِشَايَات، وَخَوَنة فَقَدوا أيَّ ارتباط بالقِيم والوطَن، وقَدَّموا الشّهيد الزرقطوني فريسةً لسلطات الاستعمار، التي لَـمْ يَنْجُ من عذاباتِها إلا بقراره أكْلَ السّم والاستِشهادَ لكي لا يمكّنهم من أسرار ومعطيات العمل الفدائي السّري وقوائم أسماء المجاهدين والـمُقاومين.
ختاما
إنّ هذه اللّمحة الوَجيزة لا تُغْنِي عن قراءة الكتاب الواقع في 127 صفحة، الـمُعزَّز بالصّور والوثائق والشّهادات، الرافِع من قيمَة القِيَم في صناعة أبطال الـمقاومة المغربية.
المراجع
[1] انظر: (الإبريزي) أحمد: "محمد الزرقطوني؛ قِيَم إنسانية صَنعت فعْل الشهادة"، منشورات مؤسسة الزرقطوني للثقافة والأبحاث، الرباط، الطبعة الأولى، 2015.[2] (الإبريزي) أحمد: "محمد الزرقطوني؛ قِيَم إنسانية صَنعت فعْل الشهادة"، مرجع سابق، ص: 23.