المحتويات
توطئة
أثار مفهوم “تَمَغْرِبيتْ” جدلا واسعا بين المثقفين والفاعلين المدنيين والسياسيين، وكان من بين أهم من تتبع نحث هذا المصطلح وأصل له الدكتور سعيد بنيس الذي يعتبر “تمغربيت” مفهوما يجمع بين غنى الهوية وتاريخ عريق للمملكة، ويعتبر أن لفظة “تَمَغْربيت” تلخص حضارة دولة ممتدة في التاريخ كالمملكة المغربية. وأن تمظهرات “تَمغْربيت” عديدة نجدها في البيئة الثقافية، الدينامية المجتمعية، الروافد المتعلقة بالهوية، منظومة القيم، وكذلك البعد الترابي.
ولاستيعاب هذا المفهوم والوقوف على دلالته لا بد من سبر غور كتابه “تمغربيت” الذي جاء دستور 2011 ليجلي فكرته، حيث شكل وعاءً قانونيا لكل ما هو حضاري وتاريخي. و”تمغربيت” خطوة نحو الاعتزاز بالهوية والحضارة المغربية بكل أصنافها، خاصة وأن هذه الفكرة تحقق مفهوم التساوي بين مختلف مكونات المجتمع.
مضامين الكتاب
انطلق بنيس في بسط سردية “تمغربيت” في علاقتها باليقينيات المحلية، من تصويب كتابة الكلمة المفتاح فتارة تكتب “تمغرابيت” وتارة أخرى “تامغربيت” وتارة “تمغاربيت” وأخرى “تاماغرابيت”، لهذا فاللفظة التي اعتمدها هي التي تصاغ كتابة ونطقا على الشكل التالي: تمغربيت، بكسر الراء وليس بفتحها، وبدون ألف ممدودة على التاء (تامغربيت).
بالإضافة إلى مفردة تمغربيت هناك مفردات أخرى منها لا للحصر “تموريت” التي تعني “العادة”، وجمعها “تموراوين” وهي العادات”، وهناك كذلك لفظة “مور” التي ترتبط بالمجموعة البشرية التي سكنت شمال إفريقيا، وتم جمع الكلمة على صيغة “موريشن”، ودلالة الكلمة في معناها اللغوي الخالص هي “الأرض” ومنها “الموطن”، ويشترك في خصوصياتها مع جل بلدان شمال إفريقيا وحتى بعض المناطق من إسبانيا “الموريسكيون”، التي ينعكس فيها تمازج العنصر العربي والعنصر الأمازيغي وترتبط أساسا بحقبة وتاريخ الأندلس. (مقدمة الكتاب ص 5).
وهذه اللفظة “تمغربيت” قديمة وشائعة الاستعمال بالمغرب منذ سنوات السبعينات، وترمز في التفاعلات المجتمعية والمخيال المغربي إلى سردية التاريخ والحضارة والدولة والثقافة واللغة والإنسان، التي تستمد شرعيتها وجدواها وحقيقتها من مصفوفة من اليقينيات المحلية والترابية، التي مازالت ملامحها وتمظهراتها تحدد مسارات وتوجهات الجدلية المجتمعية، لا سيما فيما يتعلق بالنظام السياسي وبإشكالات العيش المشترك والتعايش والمصير الجماعي والهوية الجمعية والشخصية المغربية. ويتم تداولها في عدة حقول، منها السياسي والمدني والإعلامي والثقافي والمجتمعي واليومي، كرابط اجتماعي وكمرجع للتآلف والانسجام وكنقيض لسلوكات الإقصاء والتنافر والتوتر. لهذا، فتمفصلات سردية تمغربيت باليقينيات المحلية في علاقة ترابطية سببية، لأن دلالة ومضمون مكونات السردية تعكسها وتجليها وتكشفها التنظيرات المادية والرمزية للمحتويات والعناصر المؤسسة لليقينيات المحلية والترابية، من تجارب ومعارف وعمران وعلم وثقافة وعادات وطقوس وممارسات (مقدمة الكتاب ص 6).
وهنا يتساءل الدكتور بنيس عن علاقة سردية تمغربيت بحقل دلالي يدمج بين المقولة والمفهوم والمنظومة والنسق والرابط؟ وهكذا سيجتهد بنيس في هذه المحاولة حول السرديات المحلية واليقينيات الترابية، على اعتبار “تمغربيت” أساسا سردية تدمج بين المقولة والمفهوم والمنظومة والنسق والرابط، بمعنى أنها تلك العلاقة المحكية والمستبطنة والمشاركة، التي تضمن تمثل واقع ما من خلال الرصد والربط بين بعض الأسس الرمزية والمادية للتجربة الإنسانية والمجتمعية.
ف”تمغربيت” تعبر وتتقاطع وترافق وتلتصق وتلازم وترتبط بطريقة عمودية وأفقية بجميع مناحي حياة المغاربة، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه (حالة مغاربة العالم)، لا سيما بتصوراتهم وتموقعاتهم وتمثلاتهم ومواقفهم وأفكارهم حول بوادر الشخصية المغربية، ومقولة الأمة المغربية، والتنوع والتعدد، والقوى الناعمة، والبيئة الثقافية، وثنائية الرسمي والترابي، ومتاهات النقاش العمومي، والدينامية المجتمعية، واحتجاج الشارع، ومعضلة البطالة، والعنف المجتمعي والفوارق الترابية والجهوية المتقدمة، والتمظهرات الهوياتية، والطقوس الغذائية، ولغات المدرسة، وبرامج الأطفال، وجائحة كورونا، والحجر الصحي، والفاعلية الافتراضية، والأخبار الزائفة، والثورة الرقمية والرابط الافتراضي، والقيم الديجيتالية”، والنخب السائلة، والسوق الخطابية، ومقولة “نيُوتَمَغربيت”، والاحتباس القيمي، والانهزامية الهوياتية، وسؤال النسق المجتمعي، والنموذج التنموي، والوساطة الثقافية، وعلاقة السياسي بالثقافي، والجماعة الترابية، وسؤال المخرجات والتحديات الهوياتية، والمثقف الترابي، والعلاقة بين الدولة والمثقف، وريادة الشباب، والعيش المشترك، والهوية الترابية، وعلامة مغربي(ة).
وقد جاء الكتاب، الذي يقع في 127 صفحة -مطبعة رؤى برينت الرباط، ط 2022- بعد المقدمة في محاور عدة كالآتي: في بعض العناصر المؤسسة لسردية تمغربيت، سردية تمغربيت والبيئة الثقافية، تمغربيت والدينامية المجتمعية، تمغربيت والتمظهرات الهوياتية، تمغربيت وجائحة كورونا، تمغربيت والعالم الافتراضي، تمغربيت ومنظومة القيم، تمغربيت والبعد الترابي، تمغربيت وسؤال المخرجات، خاتمة.
خاتمة
يجب التأكيد على أن كينونة “تمغربيت” لا ترتبط فقط بالخصوصية في طريقة اللباس والمأكولات التقليدية والتعددية اللغوية والتنوع الثقافي والطقوس الدينية.. بل هي بمثابة جواب على سؤال “من نحن” ، “شكون حنا” و”من نكون”[1]، وذلك من أجل إبراز وبناء سردية محلية حول سيادة وطنية وتراث فكري وفلسفي وحضاري عابر للتاريخ.
ولأن راهنية سردية تمغربيت ترتبط أساسا بمسألة الإدراك والاعتراف الفردي والجمعي بالاختلاف، وفي نفس الآن، بترسيخ مسار تاريخي وحضاري وإنساني للتمازج والتداخل بين جميع مكونات الأمة المغربية، ومحضنها لجميع عناصر الهوية المغربية. وبالتالي مجالا لمواطنة منصفة، يمكن اعتبارها جسرا لبناء مغرب ما بعد كورونا، تلتئم فيه التنمية الصلبة بالتنمية الناعمة، ولا يستوي فيه البتة كشوفينية صاعدة أو قومية جديدة، بل هي قوة ناعمة على شكل “جواز هوياتي” لشخصية المملكة المغربية، للعبور للعولمة، وبناء أرضية ملائمة للانسجام والتعاون مع بلدان الجوار، وركيزة لدعم جاذبية المغرب الكبير وإشعاع جغرافية شمال إفريقيا.