توطئة

شكل استقلال الجزائر، وحرب التحرير الطويلة (1954-1962)، مثار اهتمام المؤرخين والباحثين، في وقت لم ترفع فيه الجهات الرسمية في فرنسا والجزائر السرية عن كل الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة التاريخية. لمعرفة حقائق ما جرى خلال تلك الفترة العاصفة، تبدو أعمال الباحثين والمؤرخين الساعين لإماطة اللثام عن رواية الأحداث أكثر أهمية. وتسعى بعض القراءات التاريخية لتسليط الضوء على حلقات جديدة أو جوانب مجهولة من الحرب الجزائرية. ويعد كتاب “الموجز في تاريخ حرب استقلال الجزائر 1954 ــ 1962؛ معجزة الإسلام الكبرى في القرن العشرين” للدكتور إدريس الكتاني، من بين الكتب التي حقبت لتاريخ المجاهدين الذين نافحوا عن أرضهم وقدموا مليون شهيد، وأسقطوا مقولة “الجزائر فرنسا الثانية”.

دواعي التأليف

يرجع الفضل في اهتمام الدكتور الكتاني بالموضوع الجديد لهذا الكتاب لصديقة العائلة السيدة نجاة بنونة أستاذة اللغة الانجليزية بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، بجامعة محمد الخامس بالرباط، التي سبق لها أن ساهمت بجهد كبير في مراجعة وتصحيح وطبع الترجمة الإنجليزية لكتابه: «التفسير الإسلامي السقوط العالم العربي المعاصر». كان ذلك خلال سنة 2002، عندما أطلعته على مقالات مجلة الاكسبريس الفرنسية الخاصة باحتفال فرنسا بذكرى مرور أربعين عاما على “الفردوس الجزائري المفقود”. بنهاية «حرب استقلال الجزائر 1954-1962، مع ما يتخلل هذه المقالات من شعارات كتبت بحروف كبيرة حمراء مثيرة من مثل: ” 132 سنة لخلق الجنة” و”أخيرا فقدناها”، “كنا أساتذة ممتازين للديمقراطية». كما أن مجلة «باري ماتش” المصوّرة أصدرت عددين في نفس الموضوع. (الكتاب، ص:7).

إن مضمون الكتاب سيجلي حقبة تاريخية تهم العالم وليست حكرا على شعوب العالم العربي والإسلامي، فقد كان الانتصار العظيم الذي دام 132 سنة وخلخل كيان الإمبراطورية الفرنسية، وأطاح بها إلى الأبد. هذا الانتصار كان “معجزة الإسلام الكبرى فى القرن العشرين”. لقد  كانت الفكرة والهدف إذن، من موضوع هذا الكتاب أن تقوم الأستاذة بنونة بترجمة المقالات المذكورة للعربية، ويقوم المؤلف بتنسيقها والتعليق عليها، لتوعية أجيالنا الصاعدة بأسباب تخلف أمتهم، وسيطرة المستكبرين عليها، وقدرتها الدائمة على إلحاق الهزيمة بهم مهما بلغت قوتهم الحربية، إذا هي تسلحت بقيمها الدينية، ووحدتها الوطنية، وإيمانها بالنصر المشروط بقوله تعالى: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، وهو سر انتصار الشعب الجزائري الذي حقق المعجزة. بعد سنتين قررا إخراج المشروع، لكن مع دعمه واغنائه بفصل آخر: يتناول محطات مركزية في تاريخ الفكر الاستعماري الفرنسي، وبأقلام مؤرخين ورؤساء، وكتاب باحثين، وقادة عسكريين فرنسيين، بحيث تكتمل صورة هذا الفكر، سواء عند القادة السياسيين أو العسكريين، مع شرح موقفهم من الإسلام والمسلمين، بكل وضوح وإيجاز. (الكتاب، ص: 9).

مضامين الكتاب

يقع الكتاب في 207 صفحة، وقد صدر عن دار النجاح الجديدة، منشورات نادي الفكر الاسلامي (2005م). وأول ما سيلاحظ أن موضوعه ظل مقتصراً على تاريخ الاحتلال الاستعماري الفرنسي للجزائر، من وجهة نظر الفرنسيين أنفسهم، إذ مهما كانت محايدة وموضوعية، تظل الصورة غير كاملة، فأين هي وجهة نظر قادة الفكر والمقاومة الوطنية في حرب استقلال الجزائر الذين يعنيهم الأمر بدرجة أولى؟. لحسن الحظ أن مجلة «البديل» التي كانت تصدر في مدينة مونتريال بكندا، في عددها 22 بتاريخ أبريل 1986م/ شعبان 1406هـ نشرت نص البحث القيم الذي ألقاه الزعيم الرئيس أحمد بن بلة في المؤتمر الإسلامي العالمي المنظم من طرف المجلس الإسلامي الأوروبي بمدينة جنيف في 10 مارس (1986)، وهو بحث تاريخي موضوعي يُغطي مرحلة الاحتلال الاستعماري بأسرها. وبمقارنة أهم الأحداث السياسية الواردة فيه… يلاحظ وجود تكامل بينهما في وضوح الصورة، مع العلم أن كل هذه المعلومات، ليست إلا نواة مرجعية لتاريخ استعماري. ويمثل الحد الأدنى من المعلومات الضرورية المشتركة لجميع مواطني “اتحاد المغرب العربي”، والتي يأمل المؤلف أن تدرج في برامج التعليم الأساسي لهذه الدول. لقد قام بمراجعة هذا البحث الذي أعجب  بأسلوبه الموجز والمنهجي في ربط الأحداث، ووصف الأشخاص والتحولات وصفاً أدبياً جميلا، ورغم تأثر كاتبه أو كتابه بأسلوب اللغة والثقافة الأجنبية، إلا أن التركيز على دور الإسلام في جميع مراحل هذه الحرب ظل مبدءاً ثابتاً، فضلا عن القسم الذي ختم به الزعيم أحمد بن بلة عرضه أمام أعضاء المؤتمر الإسلامي. (الكتاب، ص: 11)

من حيث المنهج، وما دام الكتاني، أمام كتاب يتوفر على مقدمة وثلاث فصول متكاملة، فإنه يحس بالحاجة إلى خاتمة، كما عضد كتابه بملاحق. وهكذا جاء الكتاب متضمنا التالي: قبل المقدمة: من أقوال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي، ثم المقدمة. أما الفصل الأول فعنونه ب: فرنسا تحتفل بذكرى مرور 40 عاما على الفردوس الجزائري المفقود… ١٣٢ سنة لخلق (الجنة) وأخيرا فقدناها 1962 – 1830. فرنسا – الجزائر، 172 سنة من المآسي والأشواق: للمؤرخة الفرنسية آني ري كولد زيكير. التاريخ الرائع للمستعمرة الوحيدة التي كنا نشعر فيها أننا في بلدنا، للكاتبة الفرنسية سابين كيرول. الجزائر عاصمة فرنسا، لسابين كيرول. المغامرة الكبرى لفرنسيي الجزائر 1830 – 1962 … للكاتبة الفرنسية سابين كيرول. عيد القديسين في “توسانت الحمراء” للكاتبة الفرنسية سابين كيرول. ذكريات سرية عن حي القصبة بالجزائر لمراسل “الاكسبريس” بايا قاسمي. أما الفصل الثاني فتضمن : محطات هامة في تاريخ الفكر الاستعماري الفرنسي بالجزائر: بأقلام مؤرخين ورؤساء وقادة عسكريين وكتاب فرنسيين، المؤرخ الفرنسي ستيفان جيزيل يحذر فرنسا ـ في الذكرى المائوية لاحتلال الجزائر 1930م من الخطأ الذي ارتكبه الرومان  في أفريقيا الشمالية، مسؤول بوزارة الخارجية الفرنسية عام 1952، يحذر أوروبا من الخطر الإسلامي، غابريال هانو تو وزير خارجية فرنسا سابقا يحذر أيضا، الجنرال ديغول يسخر من فكرة “إدماج الجزائر في فرنسا”، لاكوست وزير المستعمرات الفرنسي: ماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟، الجنرال غورو: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، بيدو وزير خارجية فرنسا سابقا: ” إنها معركة بين الهلال والصليب”، الجنرال كيوم يعترف بالخسائر والهزائم التي منيت بها فرنسا في المغرب، الرئيس الفرنسي جاك شيراك يمنح مدينة الجزائر وسام “صليب جوقة الشرف” ومؤرخ فرنسي: “مشاركة الجزائريين في الحربين العالميتين بجانب فرنسا”، “باري ماتش» تنشر سنة 1958 بحثا تاريخيا لمستشرق فرنسي عن الإسلام والحضارة الاسلامية بعنوان : ” كبار رعاة العالم : محمد (ص). وعنون الفصل الثالث ب: الإسلام والثورة الجزائرية ثابتة تاريخية: بحث تاريخي موضوعي مركز يغطي مرحلة الاحتلال الاستعماري للجزائر، ألقاه الزعيم الرئيس أحمد بن بلة في المؤتمر الاسلامي العالمي المنعقد بجنيف (10 – 11 مارس 1986)، يعبر عن وجهة نظر “الثورة الوطنية الإسلامية الجزائرية”، ويتكامل تماما مع وجهة نظر الكتاب الأحرار الفرنسيين الواردة في الفصل الأول…. ملحق خاص: ابتهاج بالإفراج عن زعيمي الجبهة الوطنية للإنقاذ، وأمل بأن ينجح الرئيس بوتفليقة في تحقيق السلام الشامل، والوئام الوطني الكامل للشعب الجزائري الشقيق. خاتمة، وملحق خاص: نص الرسالة التي بعثها نادي الفكر الإسلامي بالرباط، لرئيس المجلس الوطني الشعبي بالجزائر في “1411/6/13هـ 1990/12/31م”، عميروش في موكب الخلود: رثاء أحد قادة الجهاد الجزائري بقصيدة من الشعر المنثور …

خلاصة

لقد أكد الكتاني على أن هناك استعمارا صليبيا فرنسيا، جثم على صدر شعوبنا الإسلامية بشمال إفريقيا، بكل ثقله العدواني، كما أنه لا يمكن لأحد أن يدعي أنه – بعد استقلال الجزائر السياسي – قد تحررت فعلا من الاستعمار القديم الجديد الفرانكفوني بكل أبعاده اللغوية والثقافية والصليبية، وما تبعها وتنسل منها لمحو الشخصية الإسلامية، والهوية الوطنية العربية.  لا يمكن لأحد اليوم أن يدعى أنها – بعد استقلالها السياسي – قد تحررت من الاستعمار الفرانكفوني، “الوليد غير الطبيعي”، و الوريث غير الشرعي”. وهو ما لا يزال أحرار شعوب المغرب العربي المسلم، والأحرار الفرنسيون أنفسهم، ككتاب الفصل الأول، ينددون بجرائمه، وتأتي الخاتمة لتقدم لنا نموذجا لهؤلاء الأحرار.