المحتويات
توطئة
يربط القرآن الكريم الإنسان بالطبيعة والجمال بعلاقة تكاملية عميقة، حيث تُعتبر الطبيعة آيات الله البديعة ومظاهر قدرته وحكمته التي تدعو للتفكر. والإنسان هو المخلوق المكرم الذي سُخرت له الطبيعة ليستمتع بجمالها (مثل الأنعام والحدائق) ويتدبر آياتها، مع إبراز مواطن ضعف الإنسان وقدرات الله المطلقة. فالجمال في القرآن ليس حسيًا فقط بل يشمل الجمال المعنوي مثل الصبر الجميل والصفح الجميل، مما يجعل الطبيعة مرآة للجمال الإلهي الذي يوجه الإنسان للعبادة والتفكر في الخالق.
في ظل الأزمة الحضارية غير المسبوقة، التي كان أول ضحاياها الإنسان، الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ذلك أن هذه الأزمة الحضارية الجارفة لامست كل ما به تتحقق إنسانية الإنسان، بدءا بفطرته مرورا بذاته وقيمه. وما الإنسان في غياب الفطرة التي فطره الله عليها، وما الإنسان حين يشوه التقويم الحسن الذي خلقه الله عليه؟.
هذا ما حاول المؤلف الدكتور صلاح الدين شائع أن يقدمه فى هذا المؤَلَّف ، ذلك أنه خلافا لكثير من الباحثين، حاول أن يلج ساحات هذا الموضوع من باب قل ما فتحه غيره. إذ أننا قد نجد من عالج موضوع “الإنسان في القرآن” أو “العمران في القرآن”، أو “الجمال في القرآن”وغيرها، أما أن ندرج قضية “الجمال” إلى هذه القضايا، والنحت في علاقات كل ذلك بالحضارة والعمران، فهذه رؤية ومحمدة للمؤلف. (مقدمة الدكتور عبد المجيد بوشبكة، ص: 1)
إن أهمية اختيار المؤلف للموضوع وإشكاليته تستهدف الإسهام في استئناف العمل على نفض الغبار حول ما شاب الرؤية القرآنية المتكاملة في نظرتها للإنسان ومهمته وقيمه الجميلة، لا سيما وأنه يعتمد التصور القرآني للإنسان، والطبيعة، والجمال.
وقد أحسن المؤلف صنعا حين اتكأ على التصور القرآني للإنسان والطبيعة، والجمال، وعلاقتها بالبناء الحضاري التوحيدي. مؤسسا عمله على المفاهيم القرآنية، ومستأنسا بالتراث الإسلامي، فلسفة، تفسيرا، ومقاصدا. ومما زاد العمل مصداقية ووضوحا استحضار لرؤى وأنساق فكرية خارج الإطار الإسلامي. ولبيان فرادة الرؤية القرآنية التكاملية، تعويله على ثلاثية جوهرية في هذا البناء وهي: التوحيد، والرحمة والتوازن.
وصدر كتاب “الإنسان والطبيعة والجمال في القرآن الكريم رؤية تكاملية في ضوء الوحي”، للدكتور صلاح الدين شانع، عن منشورات دار جزيرة التكنولوجيا للنشر والتوزيع، وقدم له الدكتور عبد المجيد بوشبكة، دارس الجمعية الأكاديمية للبحث العلمي، ويقع في 190 صفحة.
مضامين الكتاب
يأتى هذا الكتاب محاولة معرفية متواضعة للإسهام في بلورة هذا الأفق الحضاري، واستئناف النظر في القرآن الكريم بوصفه مرجعا تأسيسيا لرؤية عمرانية متكاملة قادرة على وصل ما انقطع بين الإنسان، والطبيعة، والجمال، ضمن نسق قيمي جامع.
إنه باعتماد الرؤية المتعلقة بالوحي، والمزينة بتوجيهات رب السماوات والأرض ورب الناس أجمعين، يمكن تقديم البعد الحضاري التكاملي الصحيح. وبهذا التصور الجامع بين حقيقة الإنسان المستخلف في الحياة الدنيا من أجل إقامة العمران، يمكن استئناف مسيرتنا العمرانية التوحيدية، وعبر استحضار التوجيهات والمعية الربانية، والجزاءات الأخروية. ويمكن أن تصبح كل القيم عند معشر المسلمين قيما إيجابية نافعة، إذا ألبست قيمة الجمال، و استحضر نفعها وآثارها الإيجابية في العاجل والآجل.
فإذا كانت الحداثة الغربية قد قطعت الإنسان عن مرجعه الغيبي، وحولت الطبيعة إلى موضوع للاستغلال، والجمال إلى مجال للتسليع، فإن الإشكالية التي يطرحها هذا الكتاب صاغها المؤلف كالتالي: في مواجهة الرؤية المادية المفككة للعمران، كيف يبلور القرآن الكريم مشروعا حضاريا تكامليا يعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة والجمال في إطار نسق قيمي متعال؟.
ومن هذه الإشكالية تتفرع الأسئلة الآتية :كيف يقدم القرآن تصورا وجوديا ووظيفيا للإنسان؟، ما مكانة الطبيعة في المنظومة القرآنية؟، هل هي مجرد مورد، أم شريك في الوجود؟، ما طبيعة الجمال في القرآن؟، وهل هو قيمة أخلاقية، أم جمالية، أم تعبير عن التوحيد؟ ،كيف تتكامل هذه الأبعاد الثلاثة داخل مقاصد القرآن الكبرى، لبناء حضارة التوحيد؟.
ويسعى هذا العمل إلى تحقيق الغايات الآتية :
- بيان أصالة المفهوم القرآني للإنسان باعتباره كائنا مزدوج البنية (جسد/روح)، مكرما بالاستخلاف، ومسؤولا عن إعمار الأرض وفق قيم التوحيد والعدل.
- تحليل العلاقة بين الإنسان والطبيعة بوصفها علاقة رحمة وتفاعل وتكليف، لا صراعا ولا استغلالا ، من خلال الوقوف على المفاهيم القرآنية للتراب، الأرض، الطين، والتسخير.
- إبراز البعد الجمالي في الرؤية القرآنية، باعتبار الجمال مقصدا قرآنيا يتجاوز التزيين الظاهري إلى التناسق الكوني والروحي، ويؤسس للفنون والعمارة ضمن منظومة القيم.
- الانخراط في مشروع المقاصد العمرانية للقرآن “الذي يسعى إلى استئناف دور الوحي في توجيه مسارات الفكر والعمران، وتقديم بدائل حضارية قائمة على التوحيد والتزكية والرحمة. (مقدمة المؤلف، ص: 13/12)
وينطلق هذا العمل من منهج تكاملي يزاوج بين التحليل المفاهيمي للخطاب القرآني، واستقراء جزء من التراث الإسلامي الفلسفي والمقاصدي والانفتاح النقدى على الأنساق الفكرية غير الإسلامية في أفق بناء رؤية قرآنية عمرانية شاملة تستعيد للوجود الإنسانى معناه وغايته وكرامته من خلال قراءة متكاملة لأبعاده الثلاثة الكبرى: الإنسان، الطبيعة، الجمال.
وقد تضمن الكتاب بعد المقدمة فصلين، الفصل الأول حمل عنوان: الإنسان بين حضارة التوحيد وحضارة التدمير، وبه مبحث أول: مفهوم الإنسان، ومبحث ثان: المفهوم القرآني للإنسان، ومبحث ثالث: الإنسان والكون. الفصل الثاني حمل عنوان: الطبيعة والجمال في حضارة القرآن، ومبحثه الأول: التراب بين رحمة التوحيد وحضارة التدمير، ومبحث ثان: الجمال في حضارة القرآن، ومبحث ثالث: الفنون والعمارة في حضارة التوحيد، خاتمة.
خاتمة
لقد حاولت هذه الدراسة الإسهام ضمن حقل الدراسات القرآنية التي تهتم ببيان الأبعاد الجمالية والتكاملية فى التصور الإسلامي للوجود. وقد حاول المؤلف أن تكون لبنة من لبنات مشروع متكامل يسعى إلى إبراز مركزية الجمال فى البنية القرآنية، لا بوصفه عنصرا زخرفيا بل باعتباره مكونا تأسيسيا في نظام القيم والرؤية الكونية. وقد سعت الدراسة إلى بناء جسر معرفي ومنهجي بين علوم الوحي والمعارف الإنسانية المعاصرة، في أفق تأصيل فكر قرآنى جمالي متجدد، يتجاوز الفصام القائم بين الجمال والوظيفة، بين الظاهر والباطن، ويضع الإنسان في قلب الكون، لا كمستهلك أعمى يل كمؤمن متذوق متفاعل، مسؤول يحمل في داخله نور الفطرة ومصباح الوحي اكتشاف معنى الحياة في ضوء النور الرباني: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثم وجه الله ) سورة البقرة الآية 115.