توطئة

في رحاب الذكرى العطرة لسيد الأولين والآخرين، ينهل المحبون مما حفظته كتب السيرة عن سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وإن كان القاضي عياض بزغ نجمه بكتاب “الشفا”، فإن الدكتور عبد الرحمان عبد الوافي أبدع في “ألفية الشفا في التعريف بحقوق المصطفى”.

يأتي هذا الديوان الشعري “ألفية الشفا في  التعريف بحقوق المصطفى” بعد خلوة تأملية اختارها الشاعر بعيدا عن ضوضاء المدينة ومشاغلها. بمنطقة فجيج انسابت الأبيات تباعا فأنتجت عملا يستحق القراءة، ويمتع متتبعه. يقول عبد الرحمن عبد الوفي: “ألفت هذه المنظومة بفكيك في مدة قصيرة لم تتجاوز شهرين اثنين، وفي ظروف صعبة للغاية لا محل هنا لبيانها. وإنما ذكرت هذا للإشارة إلى أن الإنسان قد ينجز من العمل في الظروف الصعبة بحول الله وقوته، ما لا يقدر على إنجازه في الظروف المواتية والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”. (الديوان ص 13)

كان أول صدور للديوان من طرف رئاسة جامعة القرويين، وثان إصدار له تكفلت به مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات سنة 2016م. ويقع في 109 صفحة، وقدم له المفكر المغربي ذ المقرئ الإدريسي أبوزيد.

دواعي التأليف

كان الدافع الأساس لتأليف الألفية، ما حدث في غضون سنة 2012 م، لما صدر فيلم أمريكي تحت عنوان: “براءة المسلمين» أو «محاربو الصحراء» لمخرج أمريكي من أصل مصري قبطي يدعى نقولا باسيلي نقولا .وقد أساء هذا الفيلم الوضيع إلى رسولنا الإساءة البالغة مما دفع بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى القيام بمظاهرات عنيفة، على غرار ما قاموا به سنة 2005 بسبب الرسوم الكاريكاتورية التي أساء بها الرسام الدنماركي كورت فيسترجارد إلى الشخصية النبويةالشريفة.

وقد صاحب هذا الفعل إقدام المسلمين في الغرب بتوزيع الكتب والمطبوعات الخاصة بالإسلام وبالسيرة النبوية العطرة باللغات الأوروبية، وظهور عدد من القنوات التلفزيونية الخاصة بالشخصية النبوية الشريفة مثل قناة “السلام عليك» و«الإرث النبوي» و«المديح» وغيرها، هذا فضلا عما تناقلته وسائل الإعلام آنذاك من عزم دولة قطر على إنجاز أضخم وأهم فيلم تاريخي عن الرسول (ص). وقد ساهم في ظهور هذه الإنجازات الإعلامية الكبيرة بعض العلماء المعتبرين الغيورين الذين دعوا سائر المسلمين بعدم الاكتفاء في ردهم على الإساءات الغربية بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية، ودعوتهم إلى تعزيزها بإنتاج الأعمال الكبيرة فنيا وأدبيا وفكريا، ذات الصلة بالموضوع المذكور.

وتلبية لهذه المناشدة الدينية الراشدة، وَجَدْ الشاعر الكبير عبد الرحمن عبد الوفي  ميلا إلى نظم كتاب “الشفا في التعريف بحقوق المصطفى” للقاضي عياض، “فجاء الرد عبارة عن ديوان كامل، بعد أن كان قد اعتمدت في ردي على إساءة الرسام الدانماركي، قصيدة واحدة عنونها بـ  “رباعيات في نصرة الحبيب”، المنشورة في ديوان شعري جماعي يحمل عنوان : «عذرا رسول الله”. (الديوان ص 9-11) 

مضامين الكتاب (الديوان)

جاء في تقديم الألفية: “إنه وفي زمن التدهور المريع لحاسة الشعر، إبداعا وتلقيا، نظما وتذوقا وتداولا، حتى لم يكد الشعر يكون “ديوان العرب”… في هذا الزمن الرديء، الذي تقهقر فيه الشعر، إلا ما نذر، من العمودي إلى التفعيلي إلى النثر إلى البعث…”، ويضيف أبو زيد المقرئ الإدريسي: “التقديم والملحمة التي بين أيدينا فريدة من نوعها من جوانب عدة: إنها ألفية كاملة تامة العد، وإنها عن شخص رسول الله عليه السلام وفي سياق المنافحة عن شخصه الكريم ردا على الرعونات الصليبية المتواصلة، ونظما لكتاب ليس كالكتب لكاتب ليس كبقية الكتاب “الشفا للقاضي” عياض… مغربي شاعر ينظم لمغربي عالم، جمعهما الإسلام والوطن والإبداع والتميز، والتطارح بين يدي الحب النبوي الآسر للقلب والعقل، على تباعد القرون وتطاول الأزمان… جاءت لوحات الديوان تترى: ثلاثة وثمانون لوحة، بعد ثلاث مقدمات مطولة منظومة، كل لوحة تثبت على صدر صفحة، وتتراوح بين اثني عشر وثلاثة عشر بيتا إلا ما ندر زيادة أو نقصانا، تختم في الغالب بأمر من الشاعر للمتلقي بالصلاة على الحبيب المصطفى مصدرة ب “فصلوا على…” متلوة بالإشادة بالخصلة النبوية المفصلة في تلك اللوحة”. (الديوان ص  4- 6)

وقد تضمنت الألفية بعد التقديم، في ثناء الله تعالى عليه وإظهار عظيم قدره لديه، في وصفه تعالى له بالشهادة بها على الثناء والكرامة، فيما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز من عظيم قدره، في إعلام الله تعالى خلقه برفعه العذاب بسببه وصلاته عليه… في صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم، نظافته  صلى الله عليه وسلم،  رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم، فصاحة لسانه وبلاغته صلى الله عليه وسلم،  في شرف نفسه وكرمه وبلده ومنشئه صلى الله عليه وسلم، في زواجه وما يتعلق به صلى الله عليه وسلم…. في مزاحه صلى الله عليه وسلم، في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وشمائل أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدب اللازم عند ذكر أخباره صلى الله عليه وسلم، في حكم سابه وشانته صلى الله عليه وسلم،  وغيرها من المواضيع… لقد تحدث الفكيكي عن صفات المختار صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه ومعاملاته ومعجزاته ووجوب محبته، ونصرة الله له، وشرفه وجوده وحيائه وحسن عشرته وشفقته ورأفته، ووفائه وحسن عهده، وتواضعه، وعدله، ووقاره ومروءته، وشدة عبادته، ومعجزاته، ولزوم محبته، وحكم زيارة قبره، وآداب دخول مسجده، ومزاحه… وغيره كثير مما لا يمل القارئ من تتبعه قصد الاقتداء به عليه أفضل الصلاة والسلام.

إن القارئ للديوان سيقف على براعة مؤلفه وقوة لغته وعميق إحساسه، موهبة شعرية وملكة لغوية وقدرة على التنسيق بين الفقرات والأجزاء المترابطة المتناسقة، أفرغها في قالب واحد متناغم العناصر، منسجم الأجزاء، رفيع الشكل عميق المضمون، دقيق الترتيب. وتبقى اللوحة الثامنة والعشرين، حيث يرسل الشاعر الحديث على لسان النبي الكريم عليه السلام، متحدثا عن تفضيل رب العزة له يوم القيامة… وللقارئ بعدها واسع الإشراق والوجد والتذوق.

خاتمة

يَعتبر الدكتور محمد الروكي، كتاب “الشفا في التعريف بحقوق المصطفى” للقاضي عياض السبتي اليحصبي من أجود ما كتب في السيرة النبوية الشريفة، أكد به تعلق المغاربة بحب رسول الله (ص) وتعلقهم بشمائله وآدابه التي أدبه بها ربه عز وجل. وقد اهتم المغاربة والمشارقة بهذا الكتاب أيما اهتمام شرحا وتدريسا وتعليقا واقتباسا وغير ذلك من ألوان الاهتمام به والإقبال عليه. ومن لطيف وجوه الاهتمام به: نظمه وإخراجه في قالب شعري، وهو العمل الأدبي الذي قام به الشاعر الأديب الدكتور عبد الرحمن عبد الوافي الفكيكي الذي نظمه في ألفيته القيمة التي تفضلت رئاسة جامعة القرويين أيضا بتقديمها لقرائها وتخرجها ضمن إصداراتها.