
المحتويات
بادية غرب مراكش والانخراط في الحركة الوطنية
إن أول عمل دشن به أبناء المنطقة رفضهم للاستعمار الفرنسي كان رفض ومقاومة ظهير 16 ماي 1930 –الظهير البربري–([1])، تجسدت هذه المقاومة كما في غالب المناطق بقراءة اللطيف بالمساجد بعد نهاية كل صلاة صبح، بدءا بمساجد إدويرن ولتعم مختلف المناطق([2])، قابلتها سلطات الحماية بحملة من الاعتقالات([3])، إلى جانب المشاركة الوازنة في تنظيم مظاهرة المشور بمراكش. إذ أنه ابتداء من 13 غشت شرع المقاومون في عقد اجتماعات على صعيد مختلف أحياء المدينة والدوائر التابعة لها وكان هدفهم الأول هو الحيلولة دون ذكر اسم ابن عرفة فوق المنبر يوم صلاة الجمعة يوم 14 غشت والهتاف بحياة الملك الشرعي([4])، وجاء يوم 15 غشت 1953م وجاء يوم مظاهرة المشور، ففي هذا اليوم تظافرت جهود المستعمر لتنصيب ابن عرفة ملكا على المغرب، وقد فاق عدد المشاركين في هذه المظاهرة 6000 متظاهر من مراكش والقبائل المجاورة([5]).
ومع تطور الأحداث انتقل فعل وشكل المقاومة من السياسي إلى المسلح من خلال الانخراط وبقوة في العمليات الفدائية، فكان أول منظمة للمقاومة المسلحة أسست بمراكش، هي منظمة الشهيد محمد بلحاج البقال([6]). ومن أهمها كذلك منظمة الشهيد حمان الفطواكي([7])، التي تأسست واكتمل نموها في مارس 1954م، والتي كانت لها فروع في البوادي المحيطة بمراكش عينت على رأسها أفراد يرفعون تقارير إلى مقر قيادة المنظمة بمراكش، ويأمرون بأوامرها منها أمزميز وأولاد بو السبع وإيمنتانوت وشيشاوة وتالوين…([8]). كما نشط عدد من المقاومين ذات الأصول المزوضية في تكوين خلايا للمقاومة بالمدن كالدار البيضاء، كما هو الشأن مع المقاوم مولاي عمر المزوضي من دوار زاوية سيدي يوسف بن إبراهيم([9])، وأحمد هبوش وميلود بن المكي الهلالي([10])، ومنظمة جيش الأطلس، والتي تأسست في أواخر 1954م، وهي تابعة للمنظمة الأم بالدار البيضاء أسسها بمراكش ووطد أركانها السيد حسن الورزازي ومولاي عمر المزوضي وغيرهما([11])، وكان لها فروع في البوادي والجبال، كما نفذت الخلايا التابعة لأغمات وأولاد بو السبع وباقي النقط الأخرى المحيطة بالمدينة عمليات تفاوتت أهميتها ونتائجها([12]).
ومن الأعمال التي قامت بها هذه المنظمة: اغتيال الجنرال “دودفيل” رئيس الناحية العسكرية لمراكش، واغتيال المراقب المدني “تيفا” بتوجيه 4 رصاصات إلى صدره يوم 23 يوليوز 1954م([13])، إلى جانب نحر المعمر الفرنسي (Robert) وزوجته بفندق (La Vielle Auberge) من طرف جماعة من حي أمدل بأمزميز([14]).،وفي المقابل استشهد الشهيد عمر بن الزي في زنزانة تابعة لرجال الدرك بإيمنتانوت، أما الشهيد بركاتوش علي فقد قطع رجال الدرك أشلاءه من جراء التعذيب والتنكيل حتى استشهد ليروي بدمائه أرض شيشاوة وأولاد بو السبع([15]).
كما عرفت سنة 1955 تأسيس امتداد لجيش التحرير بمراكش بواسطة السيد محمد بن حمو المسفيوي الذي أوفدته القيادة من خنيفرة ومعه ضباط آخرون من هذا الجيش إلى مراكش لهذا الغرض، وكان عدد الضباط الذين رافقوه إلى مراكش 13 ضابطا واتصلوا بشخصيات كانت على استعداد للتعاون مع الجيش منها السيد أسكرلي وبولقدم وإبراهيم بن مسعود وحمو مراغ والتهامي المسيوي وغيرهم، وتم إنشاء مراكز لهذا الجيش بكل من أيت أورير وتغدوين وأسني وأولاد مطاع وثلاث نيعقوب وإيمنتانوت([16]). ومن بين العمليات التي نفذها جيش التحرير الذي أتى على ما بقي من قوة المستعمر ودق آخر مسمار في نعشه، والتي بلغ عددها بهذه الناحية ما يزيد عن 264 عملية منها:
- الهجوم على مركز قيادة شيشاوة وغنم السلاح المتواجد داخله([17]).
- الهجوم على مركز قيادة أمزميز وغنم السلاح الموجود فيه، ومحاولة تصفية قائدها حميد بويبرين([18]).
- الهجوم على منجم أردوز وإتلاف آلياته، حتى يتوقف المستعمر عن استغلال هذا المعدن الذي يصدر إلى فرنسا والحصول على عدد من صناديق الكبسول والميش.
- عرقلة مرور القوافل الاستثمارية وذلك من خلال نصب متاريس بالطريق المؤدية إلى ورزازات([19]).
صفوة القول لقد سجل التاريخ بمداد من الفخر والاعتزاز لأبناء بادية غرب مراكش تضحيات جسام في سبيل نيل الحرية وحصول المغرب على استقلاله من الاستعمار المستنزف لكل خيرات المنطقة البشرية والطبيعية، لتبدأ معها مرحلة البناء وتشييد أسس المغرب المستقل.
بادية غرب مراكش وبناء الدولة المغربية الحديثة
عرفت المنطقة في السنوات الأولى من الاستقلال عمليات تصفية للعديد من الأعيان المتعاونين مع الاستعمار، كان في مقدمتهم القائد عمر بن العربي المتوكي، حيث تم اغتياله بالسعيدات رميا بالرصاص رفقة شيخ زاوية بوعيتفر محمد بن الحسن أرسموك([20]). كما كانت المنطقة تحت تأثير حركة عصيان وتمرد فاشلة سنة 1960، قادها القائد البشير المطاعي، والقائد مولاي الشافعي الفيدوزي السباعي، ومحمد بن الضو بركاطو السباعي، صحبة رجال القوات المساعدة التي كانت تخضع لسلطتهما المباشرة. وقد انطلقت من قيادة أولاد مطاع في اتجاه أسيف المال مع الصعود لجبال كدميوة ومنها غابة أدوز بإدويران، لينتهي بهم المطاف إلى منطقة السعيدات، حيث تمت تصفيتهم وقتلهم من طرف فرقة من القوات المسلحة الملكية يوم الخميس 24 مارس 1960([21])، إلى جانب تصفية المدعو المناضي بتزكين باعتباره أحد الأفراد المنخرطين في المحاولة الانقلابية التي قامت بها المعارضة اليسارية لقلب النظام مع بداية السبعينات ولنفس الأسباب وضع أحد الضباط العسكريين حدا لحياته منتحرا بإحدى المطفيات التابعة للقائد الصبان خوفا من الملاحقة([22]).
ولازال هؤلاء الجنود والضباط يواصلون أداء رسالتهم في الدفاع عن حوزة البلاد في صفوف القوات المسلحة العتيدة التي انصهروا فيها منذ بداية الاستقلال، ولا زالت مراكش ومنطقة أولاد امطاع على وجه الخصوص يذكرون بفخر واعتزاز الزيارة الكريمة والمباركة التي قام بها سمو الأمير ولي العهد آنذاك جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله لهذه المنطقة حيث استقبله قواد جيش التحرير وجنوده معهم سكان إقليم مراكش عامة بالبهجة والسرور يوم 23 يوليوز 1956م، حيث عبر له هؤلاء القواد عن ولائهم للعرش العلوي المجيد، وانخراطهم في صفوف القوات المسلحة الملكية العتيدة([23]).
كما شاركت ساكنة المنطقة في المسيرة الخضراء بوفد يتكون من 2483، شخصا من بينهم سبعون امرأة ([24])، وكان عدد الشاحنات التي نقلت هؤلاء المتطوعين والمتطوعات 79 شاحنة انطلق في اليوم الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر سنة 1975 في الساعة الخامسة صباحا ([25]).
المراجع
[1] بودرة عبد العزيز: القضاء العرفي بالمغرب خلال فترة الحماية الفرنسية 1912-1956، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مطبعة أصكوم - القنيطرة، ط/ الأولى 2021، ص ص 119-168 ؛ أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية في منطقة الأطلس الكبير، من أفيفن إلى إمنتانوت، مساهمة في كتابة التاريخ المحلي، مطبعة الأمنية- الرباط، ط/ الأولى 2016، ص 206؛ Hassani Idrissi Mostafa et EttahiriAbdelaaziz : Le temps présent du Maroc au miroir de la mémoire, de l’histoire et des manuels d’histoire marocains, Cas du « dahir berbère »,In :Histoire contemporaine du Maroc Passé et Temps présent, Pub, de la FLSH, Rabat, Série Essais et études N° 86, éd, Edition et Impressions Bouregreg - Rabat, 2021, pp :429-464.[2] أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مر/ س، ص ص 206، 212-213 ؛ الادريسي علي: مكانة الأرياف في الحركة الوطنية، ضمن أعمال ندوة، تاريخ الاستعمار والمقاومة بالبادية المغربية خلال القرن العشرين، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مركز الدراسات التاريخية والبيئية، سلسلة دراسات وأبحاث رقم 22، مطبعة المعارف الجديدة - الرباط، ط/ الأولى 2010، ص 99 ؛ ابن المليح عبد الله: التاريخ السياسي للمغرب إبان الاستعمار البيات السياسية، ترجمة محمد الناجي، أفريقيا الشرق - الدار البيضاء، ط/ الأولى 2014، صص 266-267.
[3] السوسي محمد المختار: المعسول في تراجم علماء سوس،الالغيين وأساتذتهم وتلامذتهم وأصدقائهم السوسيين، ج/ 18، مطبعة النجاح الجديدة - الدار البيضاء، ط/ 1962، ص 270.
[4] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني من أجل الاستقلال بمراكش، ضمن أعمال ندوة، المقاومة المغربية ضد الاستعمار 1904-1955، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مطبعة كانا برانت -الرباط، ط/ الثانية 2008، ص 360.
[5] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مرجع سابق، ص 361 ؛ أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مرجع سابق، ص 216.
[6] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مرجع سابق، ص ص 362-363.
[7] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مرجع سابق، ص ص 363-365 ؛ برهماني محمد: المقاومة المغربية في مرحلتها الأخيرة في مطلع النصف الأخير من القرن العشرين، ضمن أعمال ندوة، المقاومة المغربية عبر التاريخ أو مغرب المقاومات، ج/01، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مركز الدراسات التاريخية والبيئية، سلسلة الندوات والمناظرات، رقم 08، دار أبي رقراق للطباعة والنشر- الرباط، ط/ الثانية 2019، ص 285.
[8] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 365 ؛ زاد محمد: مقاربة إحصائية لأنشطة المقاومة المسلحة السرية في الخمسينات من القرن العشرين، مر/س، ص 360 ؛ أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مر/س، صص 214-215.
[9] جايت الطيب: زاد القراء " إعزان" في أخبار أسفي وامزوضة ومراكش الحمراء، مطبعة تبوك -مراكش، ط/ الأولى 2011، ص 146.
[10] غاندي يوسف: الزاوية النحلية ومدرستها بقبيلة مزوضة، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، ط/ الأولى 2012، ص 182.
[11] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 369 ؛ برهماني محمد: المقاومة المغربية..، مر/س، ص 285؛ أطلس بلحاج محمد: مذكرات الرجل الذي صافح الموت، منشورات التجديد، مطبعة طوب بريس - الرباط، ط/الأولى 2009، ص ص 58-59، 65، 78-80، 89-90، 99.
[12] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 370 ؛ أطلس بلحاج محمد: مذكرات..، مص/س، ص ص 100-107.
[13] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 366.
[14] الجندي محمد حسن: الجندي ولد القصور، مطبعة مرسم - الرباط، ط/ الأولى 2016، ص ص 149-150؛ أبو ترجي محمـد المليح: أمزميز والبحث عن الزمن الضائع، نحو توثيق جزء من ذاكرة أمزميز، مكتبة المعارف- مراكش، ط/ الأولى 2017، ص 96 ؛ أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مر/ س، ص 215.
[15] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 367.
[16] أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مر/ س، ص 217.
[17] أقديم محمـد: التحولات السوسيوتاريخية..، مر/ س، ص 216.
[18] المليح محمد: قبائل مصمودة الكبرى صفحات من تاريخ أمزميز، مطبعة الأمنية - الرباط، ط/ الأولى 2024، ص194 ؛ زاد محمد: مقاربة إحصائية..، مر/س، ص 373.
[19] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 370 ؛ زاد محمد: مقاربة إحصائية..، مر/س، ص ص 366-367؛ لخنيفري رشيد: أولاد امطاع بحوز مراكش، القبيلة في رحاب الزاوية، منشورات مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، المطبعة والوراقة الوطنية - مراكش، ط/الأولى 2019، ص 76.
[20] أرسموكـ الحبيب: إزاحة الغشاوة عن تاريخ الحركة العلمية بإقليم شيشاوة، من خلال الزوايا الصوفية والمدارس العلمية،المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، ط/الأولى 2001، ص 166.
[21] أقديم محمـد: التحولات السوسيو..، مر/ س، ص ص228،223؛ أطلس بلحاج محمد: مذكرات الرجل..، مص/س، ص 123؛ أبو ترجي محمـد: أمزميز..، مر/س، ص 96؛ أوراضي أحمد: الأغلبية المخدوعة، من خلال محنة مناضل، دار الكتاب - الدار البيضاء، ط/ الأولى 1981، ص 149؛ لخنيفري رشيد: أولاد امطاع..، مر/س، صص 77-81.
[22] أبو ترجي محمـد: أمزميز..، مر/ س، ص ص 96-97.
[23] أزكور أحمد: أضواء على تاريخ الكفاح الوطني..، مر/س، ص 371؛ لخنيفري رشيد: أولاد امطاع..، مر/س، ص 79.
[24] بن منصور قمشة إبراهيم: منطقة أمزميز في سطور ومقالات من الكلام المنثور، المطبعة والوراقة الوطنية - مراكش، ط/ الأولى 2010، ص 18.
[25] بن منصور قمشة إبراهيم: منطقة أمزميز..، مرجع سابق، ص 18.