المحتويات
توطئة
المولى الشريف هو بذرة شجرة السلاطين العلويين، وآخر عنقود الشخصيات المؤسسة للدول بالمغرب بعد الفتح الإسلامي. لذلك يرتقي اسمه إلى مصاف عدد من الشخصيات المؤثّرة في التاريخ السياسي المغربي، إلى جانب المولى إدريس، ويوسف بن تاشفين، ومحمد بن تومرت، وعبد الحق المريني، ومحمد القائم بأمر الله الزيداني (السعدي).
نسبه وخصاله
ولد المولى الشريف بن علي بمنطقة سجلماسة بالجنوب الشرقي للمغرب، سنة 997هـ/1589م. ويؤكّد معظم المؤرخين المغاربة أن نسب المولى الشريف يتصل بالعترة الشريفة لأهل البيت. فهو الشريف بن علي بن محمد بن علي بن يوسف بن علي الشريف بن الحسن بن محمد بن الحسن ابن القاسم بن حمد بن أبي القاسم بن محمد ابن الحسن ابن عبد الله بن أبي محمد بن أبي محمد بن عرفة بن الحسن ابن الحسن بن أبي بكر بن علي بن حسن بن أحمد بن إسماعيل بن قاسم بن محمد بن عبد الله الكامل بن حسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب بن فاطمة بنت رسول الله (ص)[i].
يشار إلى أن الكثير من الباحثين وعامة المهتمين يخلطون بين اسم الشريف الذي نحن بصدد الترجمة له، وقد عاش في القرن 17م، وأحد أجداده علي الشريف الذي عاش خلال القرنين 14م و15م.
يستشف من نسب المولى الشريف أن أصول أسرته تعود إلى منطقة شبه الجزيرة العربية. حيث ساقت الأقدار أحد أجداده إلى المغرب قبل ولادته بحوالي ثلاثة قرون، تحديدا سنة 665هـ/1266م. ويدعى جده هذا: الحسن بن القاسم الملقب بالداخل، الذي جاء بعد أن رغّبه بالقدوم إلى المغرب وفد سجلماسي كان في الحج، وسجلماسة يومئذ خالية من سكنى الأشراف[ii]. فارتحل معهم من موضع استقراره بمدشر يعرف ببني إبراهيم في منطقة يُطلق عليها “ينبغ النخيل” قريبة من المدينة المنوّرة[iii].
هكذا وجد نفسه أبو الأملاك المولى الشريف سليلا لأسرة رفيعة النسب والقدر. وفوق ذلك كان الشريف أفضل أبناء علي وأشرفهم[iv]، فغدا ممثل الأمر، متبوع العقب، وجيها عند أهل سجلماسة وكافة أهل المغرب، يقصدونه في المعضلات ويستشفعون به في الخطوب والشدائد، ويهرعون إليه فيما جل وقل من الملمات[v].
تزوج الشريف وأنجب 12 ذكرا، وهم: محمد، والرشيد، وإسماعيل، ومحرز، والحران، وهاشم، وعلي الكبير، وأحمد الكبير، وحمادي، وأحمد الصغير، وعلي الصغير، وسيدي بالجبيل[vi]. وتشير المصادر إلى أنه كان يأمر أولاده بالنهوض إلى الخلافة المتقدمة لآبائه على الطريقة المستقيمة[vii]، لذلك خرج من بينهم ثلاثة سلاطين حكموا المغرب وهم: محمد بن الشريف والمولى الرشيد والمولى إسماعيل.
المغرب قبيل مبايعة المولى الشريف
تميزت المرحلة التي شبّ فيها المولى الشريف من الناحية السياسية بالتأزم، وضعف الدولة الزيدانية (السعدية) التي كان يقودها زيدان بن المنصور (السعدي). فترتّبت عن ذلك اضطرابات كثيرة، دفعت ببعض القوى المحليّة إلى التحكم في مناطق واسعة، من بينها: الأندلسيون المهجّرون في سلا والرباط، والدلائيون في منطقة تادلة، والسملاليون بإقليم سوس والصحراء الغربية ومنطقة درعة، وقوات الخضر غيلان بمنطقة الغرب والقصر الكبير، الاحتلال الإسباني في عدد من الثغور المغربية (سبتة، مليلية، طنجة، العرائش..)، الاحتلال البرتغالي بالجديدة.
أمام هذا التشظي السياسي، وكثرة الصراعات، وتنامي أطماع القوى الصاعدة؛ التجأ أهالي سجلماسة إلى أسرة العلويين التي كان لها باع كبير في القيام بشؤون الناس والجهاد. ويرجع تدخل الشرفاء في الميدان السياسي إلى العصر المريني[viii]، لا سيما مع أحد أجداد الشريف، ولعله أشهرهم، وهو علي الشريف (762هـ/1360م)[ix]، الذي اجتاز إلى الأندلس برسم الجهاد مرارا وأقام بها مدة طويلة ثم عاد إلى سجلماسة[x]. كما وردت الأخبار عن جهاده في ناحية أكدج من بلاد السودان حيث رزق الظفر والفتح[xi].
المولى الشريف وتأسيس الدولة العلوية
لمّا أحسّ أهالي سجلماسة بالتهديد لجأوا إلى الأسرة العلوية التي كانت لها سوابق في القيام بشؤون الناس عند اللحظات الحرجة. وتجسّد هذا الفعل في مبايعة المولى الشريف سنة 1041هـ/1631م، على أن يقوم بأمر المنطقة، وعمره إذ ذاك 52 سنة[xii]. وساعد على هذا الاختيار شخصية الشريف التي امتازت بالسمعة الطيّبة، والحزم الذي هو من متطلبات الحكم.
ولشرعنة عملية المبايعة هذه؛ ظهرت سرديات ذات نفحات صوفية مثل الرواية التي تقول: أن العالم عبد الله بن علي بن طاهر (تـ. 1634 أو 1635م)، مرّ على الشريف بن علي وهو صبي غير فسأل عنه، فقيل له: هو ولد مولانا علي، فقال الله أكبر، ففرح به، ومسح على ظهره، وقال: ماذا يخرج من هذا الظهر من الملوك والسلاطين[xiii].
سيتولى المولى الشريف أمر القيام بشؤون سجلماسة ما بين 1631 و1635م، وهو أمر لا يخلو من مخاطرة، بحكم أن هذه المنطقة كانت تحت نفوذ أبي حسون السملالي أمير سوس وسائر الجنوب المغربي[xiv]، كما أن أهل تبوعصامت أحد قصور سجلماسة رفضوا تولي الشريف لأمر سجلماسة[xv].
أثار هذا الوضع صراعا معقدا، تمثل في استعانة الشريف بأبي حسون لمواجهة أهالي تابوعصامت، فيما استعان هؤلاء بالدلائيين، لكن هذه الواقعة انتهت بالصلح دون قتال[xvi]. وترتب عن هذا الصُلح سيطرة الشريف على تبوعصامت سنة 1043هـ/1633م. ثم بايعه ولاة أبي حسون في منطقة سجلماسة[xvii]، وهو ما أثار صراعا جديدا مع أبي حسون الذي أحس بتنامي التهديد مع تزايد نفوذ الشريف بسجلماسة بين سنتي 1633م و1635م.
لم يترك أبو حسون توجسه في دائرة الأفكار، بل ترجمه إلى فعل أفضى به إلى اعتقال الشريف ونقله إلى حصون سوس سنة 1635م. وظلّ معتقلا إلى أن افتداه ابنه محمد بمبلغ كبير من المال. ويتضح من سيرة الشريف أن هذا الاعتقال تسبب في زهده وإعراضه عن السياسة، فردّ بيعة أهل الصحراء مفضلا التفرغ للعبادة فيما تبقى من حياته[xviii]. وساعده على هذا القرار تصدّر ابنه مولاي محمد للمشهد في سجلماسة. ولعلّ فترة غياب الشريف أثناء الاعتقال قد فسحت الفرصة أمام ابنه لإبراز قدراته القيادية في المجالين السياسي والعسكري.
وفاته
توفي الشريف مؤسس الدولة العلوية يوم 13 رمضان 1069هـ/3 يونيو 1659م[xix]، ودفن في زاوية سيدي بوزكري[xx]، وذلك بعد اعتزاله للقيادة السياسية في سجلماسة، وتفرغه للعبادة. إلاّ أن تصدّره للقيادة بسجلماسة أيام الاضطرابات كان بمثابة البذرة التي خرجت منها شجرة الحكم العلوي بالمغرب. فاتسع مجال حكم هذه الأسرة شيئا فشيئا على يد أبنائه الثلاثة: المولى محمد (1640-1664م) ثم المولى الرشيد (1666-1672م) فالمولى إسماعيل (1672-1727م).
المراجع
[i] أحمد بن عبد العزيز العلوي، الأنوار الحسنية، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، نشر وزارة الأنباء للمملكة المغربية، 1966، ص، 76.[ii] عبد الكريم بن موسى الريفي، زهر الأكم، تحقيق آسية بنعدادة، مطبعة المغارف الجديدة، 1992، ص، 101. أنظر أيضا: نشر المثاني، ص، 89.
[iii] محمد بن الطيب القادري، نشرالمثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ج2، تحقيق: محمد حجّي وأحمد التوفيق، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1982، ص، 88.
[iv] أحمد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (الدولة العلوية)، ج7، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، ص، 12.
[v] محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق عبد اللطيف الشاذلي، 1998، ص، 423. أنظر أيضا: محمد المختار السوسي، ايليغ: قديما وحديثا، المطبعة الملكية، الرباط، 1966، ص، 104. ومحمد الكنسوسي، الجيش العرمرم والخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي، ج1، تحقيق احمد الكنسوسي، 1994، ص، 107.
[vi] أبو القاسم الزياني، تُحفة الحاذي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب، تحقيق رشيد الزاوية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 2008، ص، 79.
[vii] محمد بن الطيب القادري، نشرالمثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ج2، ص، 88.
[viii] أبو القاسم الزياني، تُحفة الحاذي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب، تحقيق رشيد الزاوية، ص، 10.
[ix] أنظر: مولاي هاشم بن المهدي، "مولاي علي الشريف وجهوده التأسيسية"، مجلة عصور الجديدة، ع 10، 2013.
[x] محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق عبد اللطيف الشاذلي، 1998، ص، 7.
[xi] محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق عبد اللطيف الشاذلي، 1998، ص، 8.
[xii] محمد القبلي، تاريخ المغرب تحيين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، الطبعة الأولى، ص، 400.
[xiii] محمد الكنسوسي، الجيش العرمرم والخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي، ج1، تحقيق احمد الكنسوسي، 1994، ص، 87.
[xiv] أحمد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (الدولة العلوية)، ج7، ص، 12.
[xv] محمد القبلي، تاريخ المغرب تحيين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، الطبعة الأولى، ص، 400.
[xvi] محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تحقيق عبد اللطيف الشاذلي، 1998، ص، 423.
[xvii] إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، ج3، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1994، ص، 19.
[xviii] إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، ج3، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1994، ص، 19.
[xix] محمد بن الطيب القادري، نشرالمثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، ج2، تحقيق: محمد حجّي وأحمد التوفيق، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1982، ص، 89.
[xx] أحمد عمالك، مادة: الشريف بن علي، معلمة المغرب، ج16، ص، 5369.