نسب الشيخ أحمد بن موسى

ينتسب الشيخ احماد أوموسى (أحمد بن موسى) حسب عدد من الروايات التاريخية إلى الأصل الإدريسي الحسني. ويعود استقرار أبناء المولى إدريس بن عبد الله في منطقة سوس إلى الفترة التي تلت سقوط الإمارة الإدريسية وتشتت الأدارسة في مختلف مناطق المغرب، بما فيها منطقة “تامدولت”. وبعد خراب هذه الأخيرة خلال القرن 14م انتقل ساكنتها، بما فيهم الأدارسة، إلى كل من: إسافن، وإداوزكي، وإداوكنسوس، وإداوسكا أوفلا. ومن الذين انتقلوا من تامدولت سيدي زوزان جد الأسر الولتيتية، فاختار الإستقرار في إداورسموك بمنطقة “تافروات نايت مولود”. وفيما بعد انتقل أحد أبناءه وهو إدريس بن زوزان من “تافراوت نايت مولود” إلى “إلماتن” في إداورسموك (ارسموكة) حيث ولد له موسى بن إدريس بن زوزان لينتقلا معا إلى “بومروان” والتي تقع في الطريق الرابط بين تزنيت وتافراوت ببلاد إداوسملال، حيث مسقط رأس الشيخ احماد أوموسى[1].

وتمثل “بومروان” إحدى فروع قبيلة إداوسملال، فهي و”أيت مولاي” تشكلان أبرز أماكن الإستقطاب الروحي لكل سكان الجنوب المغربي، فعرفت المنطقة بروز العديد من الأولياء من أمثال محمد بن سليمان الجزولي صاحب “دلائل الخيرات“، وأبي بكر بن سليمان. فوسط هذا المناخ الصوفي إذن، كانت ولادة أحماد أموسى سنة 853ه/1449م بقبيلة إداوسملال من أبوين عاديين هما: السيد موسى بن عيسى، والسيدة تاونُّو البعقيلية. ورغم قلة ما كتب عن طفولته، فإن الذي يبدو هو أن طفولته كانت طفولة عادية كغيره من أطفال القبيلة، فكان يتسرع إلى مواقع اللهو؛ إذ تقدمه الحكايات وهو يحمل “ألُّون” أو “البندير”، ويساهم فيما يقوم به أقرانه من إفساد للغلل والمرافق. ومما تذكره أيضا بعض الأخبار التاريخية تعرض أمه السيدة تاوْنُّو لاعتداء قبيلة إداوسملال ونهبهم لبقرتها، مما يُفسَّر بغياب العصبية لدى أسرة الشيخ بالمنطقة[2].

من طفولة الشغب إلى التحول الكبير في الشباب

ورغم طفولته المرحة والميالة إلى اللهو وكذا شغبه البين في طفولته وشبابه[3]، فإنه تعلم القرآن في المدرسة الصغيرة “أخربيش” على يد جيرانه الكَراميين علماء ” تزمورت”. وفي مرحلة ما في شبابه انقلبت شخصية الشاب احماد أوموسى رأسا على عقب مما أدهش أقرانه الذي تفاجئوا من هذا التحول. ويعد أصل هذا التحول حسب عدد من الروايات التاريخية إلى حمله لقفة تين شيخ مسن عجز عن حملها، وتذكر المصادر التاريخية أن هذا الشيخ المسن لم يكن شيخا عاديا بل كان وليا صالحا، وهو محمد الوجاني دفين وِجَّان بإداوسملال. وقد كان من نتائج هذا التحول أن ترك الشاب حياة اللهو والشغب إلى حياة السفر والتجوال والتصوف [4] .

وقد قادته سياحته إلى بعض جهات سوس، قبل أن يرحل في العقد الثامن من القرن التاسع الهجري إلى عبد العزيز التبَّاع (عبد العزيز الحرَّار) شيخ الجماعة إمام الصوفية في مراكش، ثم رحل إلى مليانة بالمغرب الأوسط (الجزائر) حيث قضى عامين، ثم انطلق نحو الشرق لزيارة قبر عبد القادر الجلاني، وانتهت رحلته إلى بلاد السند. أما في الجنوب المغربي فقد زار مسكدادة وتارودانت وفكَيك وسجلماسة ليختم سياحته بزيارة ماسة. كما التقى خلال سياحته، بعدة شخصيات أبرزهم عبد العزيز التباع ثم الشيخ الراشدي الملياني وعبد العزيز القسنطيني. وقد استمرت سياحته ما يناهز ثلاثين سنة، كانت تتخللها فترات كان يعود فيها إلى بلاده بومروان لزيارة وتفقد أهله. وقد كانت عودته من هذه الرحلة الطويلة  سنة 910ه/1504-1505م[5].

مسيرة تصوف أحمد بن موسى

خلال سياحته الطويلة حصل لاحماد أوموسى اتصال مباشر وعميق مع التصوف والطرق الصوفية وخاصة مع الطريقة الجزولية متمثلة في أهم أتباع الشيخ الجزولي وهو عبد العزيز التباع. كما شكل تواجده بمراكش مناسبة للإتصال بالعديد من المتصوفة الذين جمعته وإياهم نفس المدرسة الصوفية، من بينهم: عبد الكريم الفلاح والغزواني وأبا العزم رحال الكوش، وأبا عثمان سعيد بن عبد النعيم وعبد الله بن حسين المغاري. كما اتصل في الجزائر بالشيخ أحمد بن يوسف الملياني الشهير، وهو من أصحاب الصوفي الكبير زروق، فدخل بمساعدته في خلوة دامت سنتين أمره بعدها بالسياحة. وقد استطاع احماد أوموسى بفضل هذا الإتـصال أن يستكمل سلسلة سنده الصوفي وذلك بأخذه عن الشاذلية عبر قناة التباع ثم الجزولي، وقناة أحمد زروق[6].

تأسيس الزاوية السملالية (زاوية تازروالت)

بعد رجوع احماد أوموسى إلى بلدته بومروان، تكاثر أتباعه ومريده، لكن لظروف اقتصادية متعلقة أساسا بالجذب والجفاف والطاعون والمجاعة الذي أصاب بلدته الصغيرة ومناطق واسعة من سوس (917ه/1511-1512م) فكر في الانتقال إلى بلاد أخرى أكثر ازدهارا وأكثر قدرة على استيعاب توسع طريقته وتكاثر أتباعه. لذلك قرر احماد أوموسى الإنتقال إلى تازروالت، وهو واد خصيب في بلاد إداوسملال (سملالة) بأقصى الجنوب الغربي للأطلس الصغير، وعلى مقربة من الطريق الرابطة بين تيزنيت وتافراوت، وعلى بعد أربعين كلم جنوب شرق مدينة تزنيت[7]، وذلك بعد أن جال في بعض الجهات. وقد أسس زاويته في موضع ببسيط تازروالت في منحدر تحيط به الجبال من كل الجهات وبالقرب من مكان مرور واد تازروالت الذي ينحدر من أراضي قبائل مجاط. وتمتد الزاوية وسط مجال أخضر مكون في الأصل من بساتين الشيخ وبيته ومسجده[8].

مبادئ وأدوار زاوية سيدي احماد أوموسى (الزاوية السملالية)

كنظيراتها زوايا مغرب القرن 16م، وزوايا منطقة سوس على الخصوص، يمكن الوقوف على مجموعة من الأدوار التي كانت تقوم بها الزاوية السملالية:

دور التربية:

تقوم التربية عند الشيخ احماد أوموسى على مبدأ المجاهدة والإرشاد، وذلك عبر التأكيد على تلمس الخطأ دون الإصرار عليه. وقد خول له ذلك استقطاب العديد من المذنبين الذين وجدوا لديه الوسيلة الناجعة للتوبة من الخطأ، وخاصة معاصي “الزنا” و”السرقة” التي كانت منتشرة بين مريديه وزواره، وخاصة عبر الإرشاد والنصح المستمر. كما واظب الشيخ على حث مريديه على الاقتصاد وعدم الإفراط سواء تعلق الأمر بأمور الدنيا أو أمور الدين كالحث عل الإقلال من الأوراد، وعدم الإسراف في المحبة[9].

دور التدريس:

اشتهر الشيخ احماد أوموسى في كل منطقة سوس باشتغاله ب”علم الباطن” أكثر من علم الظاهر، والذي أخذه عن الشيخ عبد العزيز التباع. فكان ديدنه تعليم مريديه هذا العلم في المسجد من خلال استقاء دروسه مما يقلق بال مريديه. ورغم اقتصاره على علم الباطن، فإن مدرسته الصوفية أنبتت العديد من الفقهاء والعلماء وخاصة منهم ابنه عبد الباقي، وأدفال الدرعي (أحمد بن محمد الحسني الدرعي). كما كانت الزاوية محجا لعدد من المتصوفة والفقهاء كيحي بن يدير الرسموكي، وأحمد بن عبد الرحمان بن محمد الجزولي المسكدادي، والشيخ امحند أوبراهيم التمنارتي[10].

دور الإطعام:

تعتبر خدمة الإنفاق والإطعام من أبرز الخدمات التي كنت الزاوية السملالية تقدمها لزوارها ومريديها. فقد اشتهرت الزاوية مبكرا بالسعي إلى التغلب على الفقر المادي، خصوصا وأن من بين أهم عوامل انتقال الشيخ من بومروان إلى تازروالت كان هو البحث عن مكان مزدهر اقتصاديا ويتيح تنفيذ برنامج محاربة الفقر، واستمرار الزاوية في القيام بدورها في الإطعام والإنفاق[11].

“كرامات” الشيخ أحمد بن موسى

ويروى عن الشيخ احماد أوموسى تعدد “كراماته”، وخاصة كرامة معرفة  “هواجس الضمير” حيث كان يحدث الناس عما يجول بخواطرهم قبل أن يتكلموا بها. وقد كثر اعتقاد الخاصة والعامة في حديثه عن هواجس الضمائر حتى ظن البعض أنه “يطالع اللوح”. ومن “الكرامات” التي تروى عنه: التخاطب مع الحيوانات وخاصة الحية والبقرة والغراب[12]، كما كان يحول الرمل إلى ذهب ويعالج المرضى والمشلولين ويعيد الخصوبة إلى النساء والحيوانات والنباتات[13].

ومما عرفت به أيضا الزاوية السملالية وشيخها احماد اوموسى هو ممارسة رياضة الرماية، الأمر الذي حدا بالبعض إلى اعتبار الشيخ معلم الرماية الأول في كافة سوس، لذلك ينسب علي بن ناصر ببلاد أحمر، صاحب أشهر مدرسة للرماية، هذه الأخيرة إلى سيدي احمد أموسى، كما يُستحضر في هذا المقام النشاطات الجسمانية الرياضية البهلوانية التي يمارسها اليوم “أبناء سيدي أحماد أوموسى” (إهياضن) التي ينسبها هؤلاء إلى الشيخ أيضا[14]. كما أن زيارة احماد أوموسى تميزت باستقطابها للمريدين والزوار من كافة الانتماءات الصوفية المعروفة آنذاك في سوس، الأمر الذي جعله يحث أتباعه على التزام الأسبقية في الزيارة، كما انه كان يرفض أن يكون شيخا لأحد. وقد جعل ذلك بعض الباحثين يخلصون إلى أن الشيخ احماد أوموسى لم يؤسس طريقة على غرار تلك التي أسسها شيوخ معاصرون بل نجد أتباعه وأبناءه ينضوون تحت لواء الناصرية والدرقاوية، بل إن أبرز مريدي الشيخ قد أسس زاوية قادرية[15].

الزاوية السملالية والمخزن السعدي (الدولة الزيدانية)

لم تتحدث المصادر التاريخية عن علاقة احماد أوموسى بالسلطة السعدية، إلا بشكل خافت، ولم تعطيها أهمية كبيرة، باستثناء علاقته بثالث سلاطينهم وهو عبد الغالب، فتحدثت عن استقباله لهذا السلطان في تازروالت، وذلك رغم كون التحركات الأولى للسعديين في المنطقة تزامنت مع انتقال واستقرار الشيخ احماد أوموسى في تازروالت. وبسبب المكانة التي أضحت له في كل نواحي الجنوب فقد كان محط اهتمام السلطة السعدية، وكانت تستشيره بشكل مستمر.

رغم إحجام المصادر التاريخية عن تقديم تفاصيل وافية عن علاقة احمد أوموسى مع السلطانين السعديين أحمد الأعرج (1514-1540م) ومحمد الشيخ، فإنه أوردت التقاء احمد موسى مع السلطانين وتحدثت عن علاقته بهما، والتي تندرج ضمن الحركية العامة لمتصوفة الجنوب خلال تلك الفترة والتي هدفت إلى تدعيم أسس الدولة السعدية الناشئة وتثبيت ركائزها[16]. خصوصا في فترة السلطان الأول احمد الأعرج الذي لجأ إلى متصوفة زمانه لمناصرته ضد القبائل العاصية في المنطقة. وفي الفترة التي انقسمت فيه السلطة السعدية بين أحمد الأعرج ومحمد الشيخ، والتي استأثر خلالها هذا الأخير بمنطقة سوس ودرعة، عمل على التواصل مع الشيخ احماد أوموسى وذلك في سبيل دعم حكمه ومشاريعه في المنطقة، فقام محمد الشيخ باستقبال الشيخ احماد أوموسى بعاصمته حكمه تارودانت وذلك سنة 958ه/1551م. كما تحدثت المصادر التاريخية عن كونه دعا الناس إلى الثورة على الأتراك الذين اغتالوا محمد الشيخ في 23 أكتوبر 1557م. وبسبب مواقفه تلك فإن مكانة احماد أوموسى تعززت لدى السلطان الثالث عبد الغالب (1558-1574م)، فكان الشيخ احماد أوموسى خير داعم للسلطان الجديد في تثبيت دعائم حكمه في مواجهة الأخطار المحدقة به خصوصا ضد التهديد التركي والبرتغالي.[17]

خاتمة

لقد استطاعت زاوية احماد أوموسى في ظرف وجيز ، أن تكتسب الآلاف من الأتباع وأن تحقق تراكما ماديا مهما، ففي أقل من نصف قرن من تأسيسها إتسع نفوذها ليصل إلى مناطق بعيدة مثل درعة وحاحة، وسجلماسة، امتد جنوبا ليلامس بلاد السودان كما وصل صدها الروحي إلى مكة والعراق[18].

وقد توفي قطب سوس الأول والجنوب المغربي في 7 ذي الحجة 971م، الموافق ل 1 يوليوز 1564م.

المراجع
[1] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، سلسلة الكتب الرقمية للكلية (1)، إصدار 2020، ص 24. (راجع رابط المرجع: https://bit.ly/3t0MeB4 ).
[2] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 25-26.
[3] ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج1، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1989، ص 160.
[4] ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 161.
[5] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 27-28.
[6] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 29-30.
[7] حجي محمد، معلمة المغرب، ج 6، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1992، ص2031.
[8] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 38.
[9] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 39-40.
[10] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 41-42.
[11] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 45-46.
[12] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 40.
[13] ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 164.
[14] ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 161.
[15] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 41-42.
[16] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 61-62.
[17] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 63-64.
[18] الراجي خديجة، الزاوية السملالية في مرحلة التأسيس، فصول من حياة الشيخ الصوفي أحمد بن موسى السملالي الجزولي التزروالتي، مرجع سابق، ص 62.