المحتويات
مقدمة
أبو الحسن علي الششتري؛ واحد من المتصوفة الذين خلد التاريخ إسمهم في المغرب والأندلس، بالنظر إلى ما خلف في مجال الفكر الصوفي ومن أشعار وموشحات وأزجال صوفية تغنى بها الناس لفترات طويلة في المغرب والأندلس وفي مناطق أخرى، بل ولازالوا يرددونها إلى يوم الناس هذا. فقد كان شعره الصوفي مصدرا غنيا للتجربة الروحية لهذا الزجال المتصوف. وتختزن إنتاجاته الشعرية الفصيحة والزجلية والتوشيحية مجمل تجربته الصوفية وأفكاره الفلسفية وما اعتمل في عصره وتناقلاته بين ضفتي العدوتين؛ المغرب والأندلس. وقد عاش الششتري أهم مراحل حياته في ظل الدولة الموحدية، وخاصة الفترات الأخيرة من الدولة وما تميزت به اضطراب وضعف شديدين خاصة بعد هزيمة معركة العقاب سنة 1212م/609ه. وقد وصفه المقري صاحب “نفح الطيب” ب: “عروس الفقهاء وأمير المتجردين وبركة لابسي الخرقة كان مجودا للقرآن، عارفا بمعانيه من أهل العلم والعمل”.[1]
النسب والنشأة
أبو الحسن الششتري: هو علي بن عبد الله النميري، ويكنى بأبي الحسن النميري، نسبة إلى نمير؛ بطن من بطون قبيلة هوازن، والششتري نسبة إلى قرية ششتر التي ولد بها في وادي آش بالأندلس التي ولد بها حوالي 610ه/1213م. وتربى الششتري في كنف أسرة ذات جاه وسلطان في منطقته، وعاش حياة مترفة باعتباره أحد أبناء الطبقة الحاكمة، وتلقى تعليما وتربية عالية، وحفظ القرآن الكريم منذ صغره. وقد كان شغوفا في شبابه بابن قزمان أحد أهم الشعراء الأندلسيين في مجال الزجل. كما حصل قدرا مهما من علوم الحديث والفقه وأصول الفقه واللغة والإعجاز. كما درس طرق الصوفية علما وعملا.[2]
التجربة الصوفية للششتري
في حوالي الثلاثين من عمره امتهن الششتري التجارة، فسمح له ذلك بالتجول والسفر شرقا وغربا فتعرف على أحول البلاد التي ساءت كثيرا خاصة بعد هزيمة العقاب، فترك ذلك فيما بعد أثرا سيئا على نفسه وروحه. وقد انقلبت حياته جراء ذلك رأسا على عقب، فترك حياة الجاه والمال باحثا عن حياة أكثر طمأنينة، فهاجر حوالي سنة 644ه إلى المغرب الأقصى خاصة إلى مدينتي مكناس وفاس. كما سافر إلى بجاية بالمغرب الأوسط، وإلى قابس وطرابلس. وخلال رحلته سلك طريق التصوف وخاصة مدرسة أبي مدين الغوت في مرحلة أولى ثم طريقة ابن سبعين رأس إحدى الطرق الصوفية المغالية لما التقاه في بجاية سنة 648ه/1248م.[3]
وفي مرحلة موالية سافر إلى مصر حيث أقام بها معتكفا بالجامع الأزهر، كما التقى هناك بأقطاب الطريقة الشاذلية فتعرف على طريقة أبي الحسن الشاذلي وتأثر بها تأثرا كبيرا فأصبح يعتبر نفسه شاذليا متراجعا بذلك عن القناعات الصوفية الفلسفية السابقة وخاصة مبدأ الوجودية المطلقة. وفي مصر استقر الششتري في أواخر حياته، بل وكون طريقة صوفية خاصة به عرفت بالششترية كانت وعاء لأهم تجاربه الروحية، واجتمع حوله كثير من المريدين.[4]
كما أدى الششتري فريضة الحج عدة مرات، وزار قبر الرسول (ص)، ثم رحل إلى الشام عام 650ه/1252م واجتمع في دمشق بالنجم بن اسرائيل الدمشقي الصوفي المشهور. وفي صحاري مصر والشام تردد على كثير من الأديرة وقابل الكثير من الرهبان واطلع على طقوسهم وعاداتهم.[5]
ومن أساتذته وشوخه الذين تلقى عنهم مباشرة أو تأثر بتعاليمهم نذكر: عبد الحق ابن سبعين الغافقي (614ه-668ه)ن وابن سراقة محمد أبو بكر الشاطبي (592ه-662ه)، وأبو مدين الغوت (ت 601ه)، محي الدين بن عربي (ت 560ه)، وشهاب الدين السهرودي (ت 588ه)، وابن الفارض (ت 632ه)، بالإضافة إلى الحلاج (ت 309ه) والشلبي (ت 334ه) والنوفزي (ت 354ه)ن وقضيب البان (ت 573ه) وابن مسرة الجبلي (ت 317ه)، وابن قسي (546ه) والشوذي الحلوي، وابن برجان (ت 538ه) وابن سينا (ت428ه) والغزالي (ت 505ه) وابن طفيل (ت 581ه)، وابن رشد (ت 595ه)…[6] أما في مجال الموشحات والأزجال فقد عرف ابن قزمان واستعار كثيرا من معانيه، كما استعار أيضا بعض خرجاته من ابن زيدون وغيره.[7]
تأثير أشعاره وأزجاله
يعتبر الششتري أول من استخدم الزجل في مجال التصوف، كما كان محي الدين ابن عربي أول من استخدم الموشح فيه[8]. فلما قدم أبو الحسن الششتري إلى المغرب قادما من الأندلس كان يتنقل داخل المدن المغربية وينظم أزجالا يتغنى بها الناس في الأسواق، وكان أشهر زجل معروف لدى المغاربة وغيرهم ب “شويخ من أرض مكناس” الذي يقول في مطلعه:
شويخ من أرض مكناس *** وسط الأسواق يغني
آش اعليا امن الناس *** واش اعلى الناس مني
واش عليا يا صاحب *** من جمع الخلايق
إفعل الخير تنجو *** واتبع أهل الحقائق
لا تقل يا بني كلمة *** إلا إن كنت صاق
خذ كلامي في قرطاس *** واكتبواحرز عني
وقد أكد العلامة عباس الجراري أن تأثير أزجال الششتري كان قويا في صفوف المغاربة عامة والصوفية على وجه الخصوص، وهو ما تدل عليه الأزجال التي لا زال يرددها فقراء الطريقة الدرقاوية حتى اليوم، وتدل عليها محاولة بعض المتصوفة المغاربة تقليد الششتري في بعض أزجاله كما هو الشأن مع محمد الشرقي في قصيدة زجلية معروفة ب”الفياشية” يقول فيها:
أنا مالي فياش *** آش عليا مني
نقنط من رزقي لاش *** والخالق يرزقني
أنا عبد رب له قدرة *** يهون بها كل أمر عسير
فإن كنت عبدا ضعيف القوة *** فربي على كل شيء قدير
وقد عنى المغاربة بنسخ وشرح أعار الششتري كما فعل الشيخ أحمد زروق (ت 899ه) والشيخ ابن عجيبة (ت 1311ه)، كما كان بعض المتصوفة يحثون أتباعهم على قراءة هذه الأشعار وإنشادها.[9]
ومن رجالات الفكر الذين حاولوا نظم الزجل في أغراض التصوف على شاكلة الششتري نجد العلامة الأندلسي لسان الدين بن الخطيب. وقد انتقل تأثير أزجال الششتري ومنواله في النظم إلى أقطار أخرى من غير المغرب والأندلس كما هو الشأن في تونس ومصر وليبيا والشام اليمن وبعيدا في الشرق الأقصى بأندونيسيا[10].
آثار ومؤلفات الششتري
خلف أبو الحسن الششتري عددا مهما من الآثار الفكرية، وهي كالآتي[11]:
- المقاليد الوجودية (المقاليد الوجودية في الدائرة الوهمية).
- الرسالة البغدادية (الخرقة البغدادية).
- الرسالة العلمية.
- العروة الوثقى في بيان السنن (مفقود).
- إحصاء العلوم(مفقود).
- ما يجب على المسلم أن يعتقده إلى وفاته (مفقود).
- الرسالة القدسية في توحدي العامة والخاصة (مفقود).
- المراتب الإسلامية والإيمانية والإحسانية (مفقود).
كما خلف الششتري ثروة شعرية كبيرة من شعر عمودي أو موشح أو زجل، وأهمها يجمعه ديوان الششتري.
وفاته
توفي الششتري يوم 07 صفر عام 668ه/06 أكتوبر 1269م بمنطقة تسمى الطينة قرب دمياط خلال قيامه بسياحة مع مريديه الفقراء المتجردين، وأوصى بأن يدفن بمقبرة دمياط، فحمله الفقراء على أعناقهم.
المراجع
[1] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، حققه وعلق عليه الدكتور علي سامي النشار، منشأة المعارف، ط 1، الإسكندرية، 1960، ص 07.[2] ديوان أبي الحسن الششتري؛ أمير شعراء الصوفية بالمغرب والأندلس، تقديم وضبط ودراسة وتعليق الدكتور محمد العدلوني الإدريسي والأستاذ سعيد أبو الفيوض، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء (المغرب)، ط1، 2008، ص 11-12.
[3] ديوان أبي الحسن الششتري؛ أمير شعراء الصوفية بالمغرب والأندلس، مرجع سابق، ص 12-14.
[4] ديوان أبي الحسن الششتري؛ أمير شعراء الصوفية بالمغرب والأندلس، مرجع سابق، ص 15-16.
[5] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، مرجع سابق، ص 11.
[6] ديوان أبي الحسن الششتري؛ أمير شعراء الصوفية بالمغرب والأندلس، مرجع سابق، ص 17.
[7] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، مرجع سابق، ص 07.
[8] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، مرجع سابق، ص 07.
[9] الجراري عباس، القصيدة، بدون تاريخ النشر، ص 550-551.
[10] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، مرجع سابق، ص 3-4.
[11] ديوان أبي الحسن الششتري؛ شاعر الصوفية الكبير في الأندلس والمغرب، مرجع سابق، ص 13-14.