مقدمة

تعتبر قصبة أو حصن “أكَادير أوفلا” رمزا من الرموز التاريخية لتأسيس مدينة أكادير واعمارها وازدهارها وتحولها إلى مركز تجاري نشيط على خطوط التجارة البحرية والقارية التي كانت تربط السودان الغربي وأوروبا وكذا الشرق عبر المغرب. حيث تردد عليها تجار قادمون من إسبانيا وفرنسا وهولاندا وجنوة (إيطاليا) ومن الدول الإسكندنافية، كما كان ميناؤها بعد استرجاعه من قبل السعديين أواسط القرن 16م مركزا لتصدير سكر وادي سوس، ولوز وجلود الأطلس الصغير، وذهب (التبر) السودان في اتجاه أوربا[1] ومبادلتها بالسلع الأوروبية. وتعود مبادرة بناء وتأسيس قصبة “أكادير أوفلا” إلى سنة 1540م 1572م بمبادرة من السلطان السعدي محمد الشيخ، ثم أخذت شكلها النهائي في عهد السلطان عبد الله الغالب بالله السعدي سنة 1572م. وقد تم بناء القصبة لأهداف عسكرية وذلك بغرض محاصرة مركز تجاري برتغالي عند أقدام المرتفع الذي بنيت عليه القصبة.

ويقع حصن “أكادير أوفلا” على ارتفاع 220 متر مشرفا على ما دونه من الأماكن المنخفضة وخاصة ساحل المدينة. وقد صمدت القصبة طيلة الفترة السعدية والعلوية إلى أن دمرها زلزال 29 فبراير 1960، فتم إهمالها بعد أن دمرها الزلزال بشكل شبه كامل. وفي سنة 2020 أطلق برنامج شامل لإعادة ترميم وتأهيل القصبة على أسسها الأصلية، وذلك في إطار برنامج “التنمية الحضرية لمدينة أكادير 2020-2024”.

يشار إلى أن قصبة “أكادير أوفلا” سبق أن صنفت في فترة الحماية الفرنسية؛ في أربعينيات القرن العشرين ضمن التراث الوطني، وفق ظهير 23 مارس 1944[2].

ماذا تعني كلمة “أكَادير”

تجمع كلمة “أكادير” على “إكودار”، وهي كلمة أمازيغية تنطق عادة “أكادير” من قبل أهل المنطقة بغير مد، ولكنها ترد في الكتب سواء على صيغة “أكَدير” بدون مد، أو بصيغة “أكادير” بالمد[3]. وهي من الكلمات القديمة المستعملة في المجال الأمازيغي، وتدل على الحصن أو المخزن الجماعي أو القرية أو المنزل المحصن أو القصبة، كما تدل عموما على أي جدار كيفما كان حجمه ومادة بنائه ووظيفته. فكما تسمت به مدينة أكادير الحالية (أكادير ن إيغير Agadir n Ighir) فقد كانت إسما لمدينة قادس القديمة، ولقلعة موحدية بضاحية إشبيلية في الأندلس، ولمدينة تلمسان، وربما لمدينة الصويرة كذلك (مّ-ؤُكادير = مُوكَادور أي ذات الحصن). وتنتشر كلمة “أكادير” بشكل واسع ،إسما للأماكن، في الجنوب الغربي للمغرب، بما في ذلك الأطلس الكبير الغربي وسهل سوس والأطلس الصغير. أما في الأطلس الكبير الأوسط والشرقي والأطلس المتوسط والجنوب الشرقي (من تازناخت إلى تافيلالت) فإن الساكنة تستعمل بدل كلمة “أكادير” كلمة “إغرم” (تجمع على إغرمان)، كما نجدها أيضا بصيغة التصغير: تاكَاديرت (جمعها تيكَيدار)[4].

قصة بناء وتأسيس حصن “أكادير أوفلا”

في سنة 1505م/911ه بنى نبيل برتغالي اسمه جواو لوبيز دي سكويرا Joào Lopes Sequeira مركزا للصيد أسفل موقع القصبة الحالي، وهو عبارة عن بيت من خشب. وقد كان هذا المركز مجرد مركز للصيد. وفي سنة 1511م شنت بعض قبائل سوس هجوما على هذا الحصن وعلى قاطنيه، الأمر الذي اضطر النبيل للتخلي عن الحصن وبيعه لملك البرتغال دوم مانويل 1513م. وقد أطلق عليه الملك اسم Santa Cruz do Cabo de Aguer أي رأس إغير؛ وإيغير بالأمازيغية هو المنكب أو الذراع أو الجرف الشديد الإنحدار، وهذه صفات تنطبق على العرف الجبلي الداخل في البحر المطل على ما يسمى حاليا بخليج “أكادير نْ إِيغير” أي حصن المنكب، وهو العرف الجبلي الذي ستشيد عليه القصبة. وبالإضافة إلى هذا المركز أنشئت منشآت أخرى حول منبع مائي قريب سميت باسم فونتي أو العين Fonte باللغة البرتغالية، كما امتد الوجود البرتغالي إلى استغلال الأراضي الزراعية المجاورة لهذا المركز، الأمر الذي أثار رد فعل السكان المتمثل في تعبئة أهل سوس وأهل حاحا لجهاد أولائك الكفار المحتلين، وهي التعبئة التي انطلق منها مشروع السعديين التكَمدرتيين في الوصول إلى الحكم[5].

وقد استمرت أعمال الجهاد والحصار للمركز البرتغالي عدة سنوات وذلك قبل استرداد الموقع وطرد البرتغاليين منه، وذلك في ذي القعدة 947ه/ مارس 1541م. وقد سجلت أول محاولة لحصار المركز البرتغالي سنة 1531م. ثم أعلن السلطان السعدي عبد الله القائم بأمر الله الجهاد ضد الغزاة البرتغاليين، فتوالت بعد ذلك الهجمات على المركز البرتغالي حتى سنة 1538م. وبعد هدنة قصيرة بين الطرفين، أطلق السعديون بقيادة محمد الشيخ السعدي أعمال بناء الحصن والقصبة وذلك ابتداء من سنة 1540 في الموقع؛ فوق إغير أي أعلى المكنب، أي فوق المرتفع الذي يشرف على المركز البرتغالي الأمر الذي أعطاه إسم “أوفلا” الأمازيغي والذي يعني الأعلى، وأحاطها بالأبراج ونصب على أسوارها ما بين 40 و50 مدفعا. وفي سنة 1572م سرّع السلطان السعدي عبد الله الغالب بالله من أعمال بناء قصبة “أكادير أوفلا” وذلك لتوفير حماية أكبر للمدينة ضد الهجمات المحتملة للبرتغاليين. وهذا يعني أن قصبة أكادير أوفلا بنيت على مرحلتين؛ مرحلة محمد الشيخ والتي كانت خلال سنة 1540م والذي وضع اللبنة الأولى للحصن، ثم مرحلة عبد الله الغالب بالله سنة 1572م والتي أخذت القصبة في عهده شكلها النهائي[6].

وفي نونبر من سنة 1755م تعرضت قصبة أكادير أوفلا للانهيار أول مرة بسبب الزلزال المعروف ب”زلزال لشبونة”، وذلك قبل أن تنهدم بشكل شبه تام خلال زلزال أكادير  في 29 فبراير  1960، ومنذ ذلك الحين تعرضت للإهمال رغم كونها من المزارات والمواقع السياحية التي يحرص زوار مدينة أكادير على زيارتها، بالنظر إلى موضعها على مرتفع يعطي للزائر نظرة من أعلى (رؤية بانورامية) على خليج أكادير والمدينة والأطراف الغربية للأطلس الكبير، وكذا على سهل سوس المجاور.

المراجع
[1] محمد بريان، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، ط1، 1989، ص 587.
[2] ج. ر رقم 1644، بتاريخ 05 جمادى الأولى 1363/ 28 أبريل 1944 (http://www.sgg.gov.ma/BO/bo_ar/1944/BO_1644_ar.PDF)
[3] التوفيق أحمد، في تاريخ المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 2019، ص 252.
[4] أزايكو صدقي، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، ط1، 1989، ص 285-286.
[5] التوفيق أحمد، في تاريخ المغرب، مرجع سابق، ص 253.
[6] أنظر: https://laroutedesempires.ma/presentation-du-site-de-agadir-oufella/.