المحتويات
مقدمة
فاطمة المرنيسي سلطانة السوسيولوجيا المغربية، وأحد رموز النضال النسائي ذو الأبعاد المعرفية، والإسناد الأكاديمي، والأفق الإنساني المتحرر من تحيزات الإيديولوجية وربقة الحزبية، باحثة مغربية أصيلة، هوية وهوى، عشقا وانتماء. كاتبة وعالمة اجتماع وباحثة اجتماعية مغربية، تعد أيضا من أعلام الحركة النسائية المغربية والعربية. تهتم كتابتها بالنسوية من منظور إسلامي وكذلك قضايا النوع الاجتماعي، وركزت كتبها على الإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي. بالموازاة مع عملها في الكتابة نشطت في المجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء.
النشأة والمسار الأكاديمي
وُلدت فاطمة المرنيسي سنة 1940 بمدينة فاس المغربية لأسرة محافظة، وسجلها أبوها، العالم المتدين والمحافظ، في إحدى أوائل المدارس العربية الوطنية الخاصة (الحرة) التي أنشئت لكي لا يدرس أبناء الوطنيين في مدراس فرنسا الاستعمارية، وذلك كموقف وطني واعي من الاستعمار. فكانت بذلك محظوظة، وحظها يتجلى في استيعابها المبكر للخصوصية المغربية الناظمة للبنيات الاجتماعية المحافظة خاصة بالمدن المغربية العتيقة التي تعرف حضورا قويا للبرجوازية الوطنية. كما شكلت مرحلة دراستها الابتدائية أولى تمظهرات الاهتمام بعمق البنيات المحافظة للمجتمع الذي تنتمي إليه، خاصة أنها كانت من بين الفتيات القلائل اللواتي استطعن أن يلجن هذا النوع الجديد من المدارس.
أنهت المرنيسي دراساتها الابتدائية ولثانوية بمدينة فاس، لتنتقل بعد ذلك إلى عوالم جديدة ومجالات غير مألوفة حيث التحقت بشعبة علم الاجتماع، بجامعة محمد الخامس بالرباط، لتبدأ رحلة البحث والتزود في عوالم السوسيولوجيا إذ راهنت على إتمام دراستها وتعميق تخصصها بسلك الماجستير في جامعة السوربون في فرنسا سنة 1965. بعد ذلك، وفي انتقال مجالي وفكري وكذلك معرفي من خلفية فرنكفونية، إلى مجالات أنجلوسكسونية، حيث تحصلت على الدكتوراه من جامعة برانديز (Brandeis University) في ماساشوسيتس بالولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1974، لتعود بعدها إلى المغرب كأستاذة في كلية الآداب في جامعة محمد الخامس بالرباط في المغرب منذ الثمانينيات.
سعت فاطمة خلال فترة السبعينات والثمانينات إلى إجراء مقابلات أبحاث ميدانية تناولت الأوضاع السائدة عن المرأة وبيئة العمل، كما حرصت خلال سنوات طويلة على نقد وتحليل العديد مما جاء في الدين الإسلامي خاصة فيما يتعلق بصورة المرأة وأدوارها المختلفة[1]. وحرصت فاطمة على التشكيك في حقيقة بعض الأحاديث خاصة الضعيفة منها. واستطاعت المرنيسي أيضًا، عبر كتاباتها، أن تخترق بعض المساحات المغلقة الخاصة بذكورية المجتمعات العربية وتفكيك بعض الأفكار السائدة حول وضع المرأة وهيمنة الرجل.
معالم في مشروعها الفكري
بأعمالها التي تمتح من تخصصات معرفية متنوعة ومن تكامل معرفي، ينسجم مع توجهات الكتابة لديها -بين الحفر التاريخي والجينيالوجي في تاريخ العلاقات الأسرية، وبين دراسات في المسكوت عنه والطابوهات المرتبطة بالسياقات الثقافية والتداولية العربية والإسلامية- استطاعت المرنيسي، بكتاباتها الجريئة أن تضع تمثلات “الذكورية”، التي تشتبك مع سلطة الأمس الأزلي، وثقل التقليد، ورجعية القدامة، وممانعة الحداثة في مرمى دراساتها النقدية والحفرية.
لطالما تجنبت المرنيسي التصنيفات، وكانت متشككة من ناحية الأيديولوجيات. فتعرضت للانتقاد من قبل الماركسيين لتقويضها للصراع الطبقي من خلال اهتمامها بقضايا المرأة، ومن قبل الإسلاميين لجرأتها على “التشكيك” في العقيدة الدينية، ومن قبل القوميين لاستيرادها فكرة النسوية من مصادر ثقافية أجنبية. لكنها أخذت على عاتقها تأنيب الاستعمار، والتفوق العرقي الغربي، والمحافظة الدينية، والرأسمالية، والقومية بسبب طرقهم في تهميش المرأة. تنقلت المرنيسي على نطاق واسع بين التخصصات والمناهج النظرية المختلفة على مر السنين.[2]
استطاعت المرنيسي خاصة في كتابها الأول (أطروحتها): ”ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية”، والصادر سنة 1975، إثارة الانتباه إلى هندسة العلاقات الاجتماعية التي ساهمت في بناء الأسرة في المجتمع الإسلامي واستفراد الرجل بدور القيادة والهيمنة. معتبرة أن الأمر له امتدادات تصل إلى بنية الذهنية العربية والمسلمة خاصة في تمثلها للجنس، ووظائف الجسد، ما ساهم بالتبع في رسم كليشيهات وصور ذهنية للمرأة في المخيال العربي والمسلم.
كما ركزت المرنيسي على أن الجنس هندسة اجتماعية والحريم نتاج لهذه الهندسة، ويقسم العالم إلى مجال خاص ومجال عام، الرجال لهم حق التواجد في العالمين أما النساء فيقتصر وجودهن على المجال الخاص فقط، وأينما كان المكان والثقافة تطبق تلك الهندسة. كما وضحت أن الجنس ليس أمرًا سيكولوجيًا أو دينيًا أو تاريخيًا ولكنه هندسة اجتماعية تناولت من خلاله وضع المرأة في الإسلام، والعلاقة بين الجنسين ما قبل وما بعد الاسلام[3].
اعتبرت المرنيسي –كذلك-، في أطروحتها والتي تعد إطارا نظريا ناظما ومرجعا أساسيا لمختلف إنتاجاتها اللاحقة، أن الأدوار الجنسية للرجل والمرأة، هي المحدد الأساسي للأدوار والوظائف الاجتماعية، فلطالما مانعت المرنيسي فكرة انفعالية المرأة جنسيا، وسلبيتها في رسم معالم الهندسة العلائقية القرابية، وهو ما يؤثر لا محال، حسب المرنيسي، في معالم البناءات الاجتماعية، وتقسيم الوظائف، وحدود الفاعلية النسائية في المجتمع ككل. وأثبتت المرنيسي كذلك في أطروحتها أن الخوف من المرأة التي سجنت طويلا في سجن الفتنة والغواية ليس إلا خوفا من جنسانيتها الفاعلة[4].
لماذا يخشى على الرجال من سلطة جاذبية النساء، أهناك افتراض يعجز الرجل عن إرضاء المرأة جنسيا، وبأنّها نتيجة ذلك ستبحث عن رجال آخرين وتتسبب في الفوضى إذا ما توفرت لها الحرية؟، من خلال هذا السؤال الإنكاري نستشف إجابة فاطمة المرنيسي: أنّ معاقبة المرأة تاريخيا وثقافيا في وضعية المنفعلة جنسيا والسجينة في أطر التشريعات ليس إلا هروبا من جاذبية النساء وخوفا منها.
تبعا لما سبق، لم تتنكر المرنيسي لأصولها العربية والإسلامية ولم تتعال عنها، بل جعلت من أصولها نقطة الانطلاق لتناول صورة المرأة في التاريخ العربي والإسلامي وفي النصوص المقدسة وبين صورتها اليوم في المجتمعات التقليدية والمحافظة وأرجعت استعبادها والحطّ من مكانتها إلى التأويلات الفقهية الخاطئة فيما يرتبط بحقوق النساء، وقد تجاوزت في هذا الطرح موجة التحديث العربي والمُنْبتة عن أصولها وذلك بإرجاع التخلف وتجهيل النساء إلى الإسلام، ودافعت أيضا عن أطروحاتها ضدّ الرؤى السلفية المتعصبة فيما يخص قضيّة المرأة[5].
الإنتاج الفكري والعلمي للمرنيسي
تعددت أعمال الراحلة بين كتابات وأبحاث ودراسات:
- ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية.
- الحريم السياسي: النبي والنساء.
- شهرزاد ليست مغربية.
- المغرب محكى من طرف نسائه (Le Maroc raconté par ses femmes).
- نساء على أجنحة الحلم (رواية).
- السلوك الجنسي في مجتمع إسلامي رأسمالي تبعي (مؤلف مشترك).
- الحجاب والنخبة الذكورية: تفسير نسوي للإسلام (The Veil and the male elite, a Feminist Interpretation of Women’s Rights in Islam.
- كيد النساء؟ كيد الرجال؟ (رواية)
- صور نسائية.
- الحب في حضارتنا الإسلامية.
- سلطانات منسيات: نساء رئيسات دولة في الإسلام.
- الخوف من الحداثة: الإسلام والديمقراطية.
- شهرزاد ترحل إلى الغرب ( Scheherazade Goes West).
- أحلام النساء الحريم: حكايات طفولة الحريم.
- نساء الغرب، دراسة ميدانية.
- هل أنتم محصنون ضد الحريم؟.
- ONG rurales du Haut-Atlas: Les Ait-Débrouille
المرنيسي الجمعوية أو العاشقة للزربية (السجاد) الجبلية
نشطت المرنيسي أيضَا في العمل الميداني وليس فقط النظري للدفاع عن حقوق النساء في التعليم والعمل وناضلت ليصبح التعليم حقًا للجميع وليس فقط للنخبة. أسست القوافل المدنية وتجمع “نساء، عائلات، أطفال”، وهو شبكة مدنية تهتم بمشاكل النساء وأسرهن وأطفالهن.
إن ثقل المقولات، وغنى الطروحات، وكثرة الأبحاث والكتابات قد تحجب عن الباحث في التراث النظري والإنساني الذي خلفته عروس السوسيولوجية المغربية فاطمة المرنيسي، بعضا من خفايا حياتها الخاصة. ففي بحر اهتماماتها النقدية والمعرفية، والنضالية، كان كذلك لفاطمة المرنيسي هوامش زمنية تخصصها لعشقها الأبدي المرتبط بحبها للزرابي (السجاد)، والنسيج الجبلي، هذا العشق لم يكن وليد صدفة أو قرين اهتمام سيدة ناجحة في مجالها المعرفي والأكاديمي، أو ترف بورجوازي بل هو من صميم أنين نساء استمعت لهن، ولمعاناتهن، وقدرهن في أعالي الجبال المغربية.
شكلت “الزربية” الجبلية مدخلا اعتمدته، المرنيسي لملامسة جراح نساء الجبل، فعملت بذلك على إخراج إبداعاتهن من ضيق المحلي إلى رحابة الوطني مثمنة بذلك جهدهم مقدرة لكنوزهم، تقول للامينة[6] بلغة عربية ممزوجة بلكنة أمازيغية واضحة: “لم تكن المرنيسي امرأة عادية، كانت شعلتنا في هذه الحياة، فبفضلها أنشئ مركز لإنعاش الزربية بتازناخت وأوصلتنا به إلى العالمية”. وتضيف “الامتنان متبادل بين فاطمة ونساء تازناخت، تشاركهن لشغف نسج الزرابي، أيقظ فينا حب الإبداع”.
الجوائز والتكريمات
حازت المرنيسي على العديد من الجوائز والتكريمات عرفانا بما قدمته من خدمات جليلة للدرس السوسيولوجي وللقضية النسائية والحقوقية عامة، ومنها:
- فبراير 2022 أطلقت ثانوية ديكارت الفرنسية (Lycée Descartes) بالرباط على إحدى ساحاتها إسم فاطة المرنيسي.
- مارس 2022 أصدر بريد المغرب طابع بريدي تكريما لها.
- 2016 أطلق كرسي أكاديمي بغسمها بجامعة محمد الخامس بالرباط.
- 2017 أطلقت جمعية دراسات الشرق الأوسط (The Middle East Studies Association) جائزة فاطمة المرنيسي للكتاب.
- 2017 أنشئ الكرسي الثقافي للسوسيولوجيا بالجامعة الحرة ببروكسيل باسم فاطمة المرنيسي.
- حازت عام 2004 على جائزة إراسموس بأمستردام الهولندية، إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة “الدين والحداثة”.
- مايو 2003 حصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاگ.
- 2001 أطلق معهد إفريقيا بالشارقة (THE AFRICA INSTITUTE) زمالة ما بعد الدكتوراه باسم فاطمة المرنيسي.
وتوفيت الأستاذة فاطمة المرنيسي، في 30 نونمبر 2015، في الرباط عن عمر يناهز 75 عاماً.
المراجع
[1] ويكي الجندر: https://bit.ly/3Vrtec3 .[2] الفنار للإعلام: https://bit.ly/3etKT2f .
[3] سفيان ساسي، الأنثروبولوجيا الثقافية والإنتاج المعرفي العربي، مجلة التغيير الاجتماعي.
[4] الهنداس نايف، الساقية: https://bit.ly/3CyS2Gz .
[5] تقرير حول المرنيسي تمت مطالعته بتاريخ 5/10/2022 على الرابط التالي: https://maslak.wata.cc/?p=4488
[6] نقلا عن موقع الجزيرة نت، على الرابط التالي: https://bit.ly/3S029tG .