المحتويات
صدر عن معهد الشارقة للتراث بالإمارات، كتاب: “موسوعة الحكايات الشعبية المغربية” الكتاب الأول، الذي يقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، للدكتور محمد فخر الدين والباحث في الأدب والتراث الشفوي، الطبعة الأولى: 1440 هـ/ 2018م/الشارقة.
وفي مقدمة الناشر يقول الدكتور عبد العزيز المسلم:” المعرفة كتاب وحروف، ومداد يرسم الكلمات ليحولها إلى معان مفيدة، سواء كلمات بشكلها التقليدي، أو باعتبارها نصوصا افتراضية على أجهزة وبرامج، أو تطبيقات ذكية مهيأة للقراءة.
وفي نفس الصدد يضيف رئيس معهد الشارقة للتراث: أن معهد الشارقة للتراث أخذ على عاتقه إثراء المكتبة العربية بما يعزز قيمة البحوث والدراسات العربية والمترجمة من وإلى العربية، لتكون نبراسا وعونا لكل باحث أو طالب، وحتى لا تكون الإصدارات العربية أقل قيمة وشكلا ومضمونا من مثيلاتها في اللغات الإنسانية الأخرى.
موسوعة فريدة
ويبرز الدكتور والشاعر محمد السرغيني في تقديمه لكتاب: “موسوعة الحكايات الشعبية المغربية” الكتاب الأول، أنه من الممكن الرجوع إلى Paul Zumthor صاحب كتاب Introduction à La Poésie Oral، من أجل إدراك مدى الأهمية التي يوليها الدرس الأدبي إلى التراث الناطق باسم العبقرية الشعبية، ذلك الدرس الذي ينتمي إلى الثقافة الحوشية Une culture Fauve التي تجمع إلى جانب الفولكلور حصيلة التجربة المعيشة بشكل يندمج فيه الصوت بالحركة واللهجة الخاصة بالحكمة المستقاة من أرض الواقع…
ويضيف محمد السرغيني، والحق أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا يحاول أن يشعرنا برحابة فضاء هذا الأدب في المغرب، حين يشير إلى تقسيمه إلى جغرافيات حسب المناطق التي ينتمي إليها، على أن هذا لا يمنع من أن يكون النص الواحد قاسما مشتركا أعظم بين مجموعة من المناطق، كل منطقة تقدمه بالشكل الذي يناسب نزوعها اللغوي، وضروب فحواه الأخلاقية. كتاب يسد فراغا في بابه، رغم أنه مسبوق بغيره من الكتب المغربية المكتوبة بالعربية أو بالفرنسية، تلك التي اهتمت بهذا الموضوع.
على أن فرادته التي امتاز بها عن غيره، هي أنه توجه بتصنيف الحكاية إلى الناشئة التي عليها استخلاص العبرة من الحكي بطريقتها الخاصة وباجتهادها الشخصي.
ما قبل البداية
يشير الدكتور محمد فخر الدين في بداية كتابه: “موسوعة الحكايات الشعبية المغربية” الكتاب الأول، أن العمل في جمع هذه الحكايات استغرق مدة من الزمان، ما ينيف على عشر سنوات…
ويكمل أنه جمعها من مناطق متفرقة، لكنه لاحظ مدى التشابه بينها وحكايات أخرى، مما جعله يقتنع بأن الحكايات لا وطن لها، فهي إنسانية مرتبطة بالوجود؛ لذلك فهي موجودة في كل مكان، وعند جميع الشعوب…، ونسبتها إلى مكان معين هي نسبة جغرافية وتاريخية فقط، على اعتبار أن أي بحث عن الأصول لا معنى له…، فقد تكون سليلة الأساطير الأولى التي فسر بها الإنسان العالم تفسيراً خرافياً…
راهنية الحكاية الشعبية
يفتتح الدكتور محمد فخر الدين كتابه: “موسوعة الحكايات الشعبية المغربية” الكتاب الأول، بقوله؛ السؤال الذي نجده جديراً بافتتاح الكتاب هو: هل من راهنية لحكاياتنا الشعبية في زمن العولمة، سواء كانت راهنية اجتماعية، معرفية أو تربوية؟ هل زمن الحكايات قد ولى إلى غير رجعة؟ ألا يستحق أطفالنا بدورهم أن ينصتوا لصوت الحكمة والمتعة في هذه الحكايات التي ولت مع الزمن؟ أليس علينا كمربين أو كباحثين أو كآباء أن نستعيدها وفاء لذاكرتنا الجمعية، باعتبارها جزءا من التراث المغربي المهدد بالضياع مثلها مثل العمران والأغنية الشعبية والفروسية والقنص بالصقور والطقطوقة الجبلية وغيرها من المظاهر المشرقة للماضي؟ هل من راهنية تربوية لها في زمن المقاربة بالكفايات والجهوية والقرب والجودة وتجديد البرامج والمناهج والتحكم بالمتغيرات والدراسات المستقبلية؟
ويكمل محمد فخر الدين أنه لا شك في أن القرب يعني القرب من المتعلم من تراثه، ومن الثقافة الجمعية التي أنتجته، مما سيؤدي إلى اندماج المؤسسات التربوية والمعرفية من جامعة ومدرسة في هذا الواقع الذي تعتبر فيه الثقافة الاجتماعية والتراثية من الشروط الأساسية لانفتاح المؤسسة على المحيط…، ولعل الجواب عن هذه التساؤلات قد عرضنا له في كتابنا دفاعا عن الحكاية الشعبية المغربية، حيث أوضحنا القيمة الاجتماعية والنفسية المعرفية والتربوية والجمالية وحتى التخيلية والرمزية للحكاية الشعبية المغربية، وقابليتها للاستثمار والتوظيف في مجالات لها راهنيتها في الحاضر والمعيش.
ويقر فخر الدين على أن الحكايات الشعبية ومواد التراث والتاريخ التي أفرزها التاريخ الثقافي للشعب المغربي، تقدم مادة غنية حري بالمؤسسات العلمية والمعرفية، خاصة في المدن التاريخية والتراثية والعلمية أن تهتم بها أكثر، وأن تفرد لها شعبا وكراسي علمية، وفرق بحث في ضمن مقاربة جديدة متسلحة بعلوم كالتاريخ والأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الجمال، وعلوم اللغة، والأدب الشعبي، والتواصل.
في أهمية الموسوعة
وفي علة إصدار هذا الكتاب، يضيف فخر الدين: ولعل إصدار هذا الكتاب يدخل ضمن إمداد التلاميذ والآباء والمدرسين والباحثين بمادة خام، قد تصلح لمآرب شتى يمكن ذكر بعضها، فهي:
- مادة تربوية وأخلاقية تربي وجدانيا بعض القيم الأخلاقية كاحترام الكبار اختيار الجيران والدعوة إلى الصدق وفعل الخير.
- مادة تعليمية يمكن أن يجد فيها المدرس أمثلة لدرسه أو معطيات اجتماعية وتاريخية، يمكن أن توظف فيما يسمى الآن في المقاربة التربوية بالكفايات المستعرضة.
- مادة للبحث والمعرفة للجامعيين في مجالات علمية متعددة كالأنثروبولوجيا، والإثنوغرافيا، وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم التربية والأدب الشعبي واللسانيات…
- مادة للتسلية تجمع الآباء بأطفالهم في جلسات حكي حميمية تقوي الروابط الأسرية.
- مادة نفسية قد تقي من القلق الذي يصيب الأطفال نتيجة تقديم مواد إعلامية غريبة عن واقعهم.
- مادة فنية رمزية وتخييلية يمكن أن توفر للمنشطين والفنانين نصوصا يمكن أن تستثمر في المسرح أو السينما أو حتى في الدعاية الإشهارية أو الانتخابية..
إن هذا الكتاب حسب الكاتب يوفر للقارئ والمربي والباحث مائة حكاية من حكاياتنا الشعبية بلهجة مغربية عامية دون تغيير كبير، إلا ما استوجبته قوانين الكتابة والنقل، استغرق جمعها ما ينيف على عقد من الزمن.
عن حكايات الكتاب
يتكون المتن الحكائي المقدم في هذا الكتاب كما يشير الدكتور فخر الدين، من مائة حكاية شعبية مغربية، جمعت من مناطق مختلفة من المغرب: الجديدة – مراكش – دمنات – أزيلال – بني ملال – أبي الجعد – فكيك – ميدلت – الراشيدية – الخميسات – الشاون …، ويتميز بكونه مختلفا ومتعدد الروايات، فهو لم يعمد في جمعه على منطقة واحدة؛ لذلك يتميز بغناه وبقدرته على تمثيل السرد الشعبي المغربي، مما يسعف الدارس والباحث خاصة أنه جمع كمادة خام – حكايات شفاهية – حرصنا على الحفاظ عليها كما وردت دون تغيير كبير.
ويقر فخر الدين على أن حكايات هذا الكتاب تدخل في إعادة الاعتبار لتراثنا الحكائي الشعبي، والوعي بقيمة هذا التراث، وأنه يمكن أن يكون نقطة انطلاق وتجديد لأدبنا الشعبي ولأدبنا بشكل عام، واستثمار بنياته السردية وأخيلته في ميادين أخرى مواكبة للعصر.
ورغم القيمة الجمالية والعلمية لهذا التراث، فإننا لا نجد اهتماما كافيا من طرف المؤسسات العلمية في وطننا بهذا الميدان على غرار الدول الأخرى التي تخصص لدراسته شعبا وفروعا، لبيان العبر الجمالية والسياسية والنفسية والاجتماعية منه.
وبخصوص الإحاطة بحكايات كل المناطق، يكمل فخر الدين لكننا نزعم أننا نقدم عينة مهمة من حكاياتنا الشعبية، بل من حكايات المغرب العربي لأن كل حكاية تمثل عددا مهما من الحكايات المشابهة لها والقريبة منها؛ لذلك فإن التحديد الجغرافي ليس ذا أهمية كبيرة – والباحث في التراث لا يمكنه العمل كجمركي يحرس الحدود – وقد حاولنا من جهة أخرى، لكي نعرف بغنى المتخيل في حكاياتنا الشعبية أن نعد صورا ورسوما مقتبسة من أجواء حكاياتنا الشعبية حتى نوضح للقارئ الكريم الصور والرموز الجميلة التي نسجها الراوي الشعبي في هذه النصوص وإمكانية استثمارها في مجالات حديثة كالرسوم المتحركة والسينما والإشهار وغير ذلك، دون أن ننسى المجال التربوي طبعا. وفي الختام يبقى للقارئ الكريم الحق في الحكم على قيمة حكايات هذا الكتاب.