المحتويات
مقدمة
إنَّ تَعَدُّد القوى الاستعمارية بالمغرب بين شمالٍ وجنوبٍ خاضعين للاحتلال الإسباني، ووسط وشرق خاضعينِ للاحتلال الفرنسي ومنطقة دولية تتمتع بوضعية استعمارية خاصة؛ جَعل مَساره في الحصول على الاستقلال الوطني مغايرا لمسار جيرانه الجزائريين والتونسيين واللِّيبيين،كما جَعل مُسلسل استقلاله متقطِّعا، واستكمال تحرير ترابه على مراحِل، ولا يزال بعضُه يرزَح إلى اليوم تحت نيرِ استعمار إسبانيٍّ غير مشروع.
تَقسيط استقلال الأقاليم الصحراوية
إنّ الانتقال مِن زمن الحماية إلى زمن الاستقلال في مناطق الاستعمار الإسباني كان مختلِفا عن مناطق الاستعمار الفرنسي، سواء مِن حيث الظَّرف الزمني أو المكاني، ويكفي توضيح ذلك؛ التذكير بالفترات المتلاحِقة والمتباعِدة لاستقلال المناطق الخاضعة للاحتلال الإسباني ما دام هذا المقال يَتعقَّبُ قضية الصحراء وموقعها في العلاقات المغربية _ الإسبانية:
- أبريل 1956: إعلان استقلال منطقة الشمال التي كانت تابعة للنفوذ الإسباني منذ 1912، بموجب بروتوكول إنهاء الحماية الـموقَّع بين حَكومَتيْ المغرب وإسبانيا يوم 7 أبريل 1956؛
- سنة 1958: إعلان استقلال منطقة طرفاية بعد حربٍ طاحنة ضد الجيشين الإسباني والفرنسي اندلَعت في أكتوبر 1957؛
- سنة 1969: إعلان انضمام منطقة سيدي إفني إلى حوزة الوطن بعد نضال مشرِّف من جيش تحرير الجنوب، أنْهى الوجود الإسباني بها الذي عمَّر منذ 1860؛
- من سنة 1975 إلى 1978: استكمال استقلال بقية الصّحراء المغربية. و”لَم يتأتَّ في فترة الحماية فتْح حوار في عهد فرانكو مع المغرب، كما هو الشأن مع فرنسا، ذلك أنَّ الوطنية المغربية لم تجد مخاطَبًا في الجانب الإسباني غير الإدارة والجيش”[1].
فمنذ 1956 تَبَادَل المغرب وإسبانيا في موضوع الصّحراء العديد من المراسلات والاتصالات، وتَمَّ التوقيع على بعض المذكّرات، و”عُرِضَتْ وَساطات دولية لحل هذا النزاع بطرق تُبقي على المودَّة وحسن الجوار، وتَفْسَح المجال لتعاون مُشتَرَك؛ غير أنَّ إسبانيا صَمَّمَت على عدم الإنصات للمطالِب المغربية والاستجابة لداعِي المودة، وتمسَّكت بموقفها المتصلِّب، خُصوصًا عندما أُعلِنَ في إسبانيا عن أنَّ “الصَّحراء جزء لا يتجزّأ من التراب الإسباني”، مِثلها مثل كاتالونيا أو غاليسيا، وتمَّ إصدار مراسيم لتطبيق القوانين الإسبانية فيها، وعَيَّنَت إسبانيا عدداً مِن الأهالي المغاربة أعضاء في الكورتيس/البرلمان”.[2]
نَفَت إسبانيا رسميا منذ استقلال المغرب، وُجُود أيّ نزاع ترابي بينها وبين هذا البلد، كما تَمَّ تجاهُل مختَلِف المطالب المغربية بخصوص سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والصُّخور مِن قِبَلِ الحكومات الإسبانية المتتالية،”التي اعْتَبَرَت _ بالإجماع _ أنَّ هذه الأجزاء الترابية المتواجدة شمال المغرب؛إسبانية لا نِقاش فيها”.[3]
أمَّا فيما يخصُّ المناطق الجنوبية؛ فالإسبان اعتَبَرُوا (سيدي إفني) مدينة يتمتَّعون فيها بالسيادة بناءً على اتفاقية 1860، التي خَوَّلَتْهُم امتيازات تجارية بالمنطقة، وأصبحت إسبانيا تَستخدمها كورقة مقايَضة في علاقاتها مع المغرب، وكدليل إضافي لتعزيز المطالَبة بجبل طارق الذي ظلَّت بريطانيا تُماطِل في إرجاعه للسيادة الإسبانية منذ أن حَصَلت عليه بموجِب اتفاقية (أوترخت) سنة 1713، هذه الاتفاقية تَجعل الموقِف الإسباني ضعيفاً نسبيا، إلا أنَّ مدريد لا تتوقَّف عن المطالبة بجبل طارق، وترى استدامة رَفرفة العَلم البريطاني فوقه بمثابة إهانة لمشاعر الإسبان، وتَشتغل السياسة الإسبانية على جَعل 100 سنة سَقفا لتصفية نهائية لإشكالية احتلال الجبل.
تشبُّث المغرب وتَعنُّت إسبانيا
خلال سنوات السِّتينات؛عمل الإسبان على رفض كلّ مقترحات ومَطَالِب المغرب في أقاليمه الجنوبية. و”عندما قام الملك الحسن الثّاني في فبراير مِن سنة 1965، بزيارة إلى إسبانيا أجْرى مباحثات طويلة مع الجنرال فرانكو، لإقناعه بإرجاع المناطق المغربية السَّليبة، لكنَّ الجنرال أجاب بكلمات قليلة تُفيد أنَّ التَّخلِّي عن الصَّحراء يُشَكِّل لإسبانيا انتحارا حقيقيا، الشيء الذي استغربه الحسن الثاني، خصوصا وأنَّ دُوَلًا استعمارية تَخَلَّت عن مستعمَراتٍ أكبر وأغنى بكثير مِن الصَّحراء”[4] المغربية.
وفي سنة 1970 عرض الحسن الثَّاني على الجنرال فرانكو خلال زيارة أخرى لإسبانيا “استعدادَ المغرب للموافقة على إقامة قواعد عسكرية تختار إسبانية مَوَاقِعَهَا لمدة يُتَّفَقَ عليها، شرط إعلان السِّيادة المغربية على الصَّحراء؛ وللقبول بإبرام اتفاقيات حول استخراج خيرات الصّحراء وتسويقها؛ ولعزم المغرب على إعطاء التَّطمينات الكافية بشأن جزُر الكناري وغيرها؛ لكنَّ إسبانيا لم تَقطَع برأي جازم ولم تتَّخذ موقفا واضحا إزاء هذه العروض، واستمَرَّت في سياسة تؤمِّنُ لها استمرار المصالح في هذا الإقليم”.[5]
إنَّ الموقف الإسباني إزاء جميع المبادرات المغربية بشأن العمل على إيجاد صيغة تَفَاهُمٍ سِلمية لتحرير الصَّحراء لم يَتَّسِم بغير التسويف والمماطلة، وأمام الرفض الإسباني للتفاوض حول سبتة (المحتلة بدْءً من 1580)، ومليلية (المحتلة منذ 1497)؛ قَبِلَ المغرب بتجميد مطالبته بهما، مُقابِل فَتْح مفاوضات بخصوص الصَّحراء ومدينة سيدي إفني، فــ”أبْدَتْ مدريد اسْتِعدادها للحوار بخصوص سيدي إفني، بَينما رَفَضَتْ القيام بالشَّيء نفسه بخصوص الصَّحراء، مُبْرِزَةً تأييدها لحق تقرير المصير في هذه المنطقة”[6]، وإنْ كانت بادِرة سياسية بدَت تظهَر مع حكومة (لويس كاريلّو) الذي كان يميل إلى منح المنطقة استقلالا تدريجيا، بَعد أنْ تُصبِح السَّاكنة الصحراوية قادرة على تسيير نفسها بنفسها، وهو ما رَفضه المغرض رفضا باتّا.
واستمر الموقف الإسباني قائما على الازدواجية، ما بين دَعم ظاهِرِيٍّ لمسلسل السّلام والمبادرات الأمَمية؛ والمسانَدة الباطِنية لـمُرتَزِقة البوليساريو،دونما تَقديرٍ بخطورة النزاع والتجزئة والانفصال في الصحراء وانعكاساتها على المغرب العربي برمّته.
المراجع
[1] المساري محمد العربي: مقال: جذور الفهم الاسباني لقضية الصحراء؛ مَصْدَر الالتباس بشأن اتفاقية مدريد، ضمن أشغال ندوة المغرب الصَّحراوي ، الطبعة الأولى 2009، مَطبعة النَّجاح العربي تطوان ص 102.[2] بن منصور عبد الوهاب، مِلف الصَّحراء الغربية، المطبعة الملكية 1984، المغرب، ص: 17.
[3] دي لارامندي ميغيل هرناندو، السِّياسة الخارجية لإسبانيا، منشورات الزمن، ص: 302.
[4] بن منصور عبد الوهاب، مِلف الصَّحراء الغربية، مرجع سابق، ص: 18
[5] الشامي علي، الصَّحراء الغربية وعُقدَة التجزئة في المغرب العربي، الطبعة الأولى 1980، منشورات دار الكلِمة، ص: 38، متوفِّر بالمكتبة العامة والمحفوظات – تطوان، تحت رقم: 11287.
[6] دي لارامندي ميغيل هرناندو، السِّياسة الخارجية لإسبانيا، مرجع سابق،ص: 304.