من الأمور المسلم بها في فضاءات المعرفة، و البحث العلمي، أن السوسيولوجيا في المغرب حققت “تراكمات ملموسة بفعل انتاجات أجيال متعاقبة من السوسيولوجيين المغاربة، كان فيها أثر المؤسسين جليا، بدءا من بول باسكون، والخطيبي، وجسوس، والمرنيسي، وعبد الله حمودي، ورحمة بورقية، وحسن رشيق والهراس وبنسعيد …[1]” ما مكن من رسم معالم سوسيولوجيا بالمغرب، تكاد تكون سوسيولوجية مغربية بهوية مجالية و بمقومات ترابية، وخصوصيات ثقافية وسياقات تداولية محلية. من هذا المنطلق كانت فكرة التعريف بالإنتجات السوسيولوجية للباحثين المغاربة، ومساءلة إمكانات تأسيس علم اجتماع مغربي؟
نخصص هذا الجزء الثالث (أنظر الجزء 1 والجزء 2)، إذن لأعمال سوسيولوجية متنوعة، ومتعددة بتعدد الباحثين والدارسين في حقول العلم الاجتماعي مغربيا، لكن الرابط بين هذه الأعمال التي نستعرضها في هذا الجزء هو انشغالها، بتيمة معرفية، وموضوعة سوسيولوجية شكلت أحد الأسس البحثية التي انطلقت منها شرارة علم الاجتماع، هذه الموضوعة هي: “سوسيولوجيا التغير الاجتماعي”.
يعرّف بوريكو في كتابه “التغير الإجتماعي” التغير الاجتماعي بأنه: تغير كبير في التنظيم الاجتماعي في بنائه ومؤسساته ووظائفه وآليات عمله على مدى فترة زمنية محددة، وبشكل عام يمكن صياغة تعريف عام وشامل للتغيير الاجتماعي، بناءً على القاسم المشترك بين التعريفات السابقة، هناك مجموعة من الكلمات الرئيسية: التحول الملحوظ- البنية الاجتماعية- المجال الاجتماعي- مساحة مؤقتة محدودة.[2]
كما يمكن تعريفه كذلك، بكونه جميع التغيرات الاجتماعية التي يمكن توقعها في البنية الاجتماعية وفي التنظيم الاجتماعي كليًا أو جزئيًا، ثم في القيم الاجتماعية والعلاقات والأدوار في أي وقت.
وعديدة هي الأعمال التي اشتغلت على موضوعة التغير الاجتماعي، على رأسها كتاب “القرية والمدينة بالمجتمع المغربي، في التغير المركب من الدوار إلى المركز الحضري”، وهو عمل للباحث المغربي والأستاذ الجامعي محمد سلام شكري والذي يتناول فيه مسألة التحضر بالمغرب، من خلال دراسة سوسيولوجية ركزت على نموذج الانتقال من التجمع القروي نحو المركز الحضري. فالمغرب حسب صاحب الكتاب خضع لصيرورة تمدين متسارعة فرضها الاستعمار، بعد إنشائه لبنيات حضرية جديدة سواء بتوسيع المدن القديمة أو إنشاء مدن وتجمعات حضرية جديدة.
وقد ركزت دراسة الباحث محمد شكري سلام الصادرة عن مختبر السوسيولوجيا والتنمية الاجتماعية، التابع لكلية الآداب ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله- فاس-، ركزت على السياق التاريخي الممتد من سنة 1970 إلى 2000 المنتج لظاهرة التحضر والانتقالات المجالية؛ من القرية إلى المدينة أو المركز الحضري. وقد أجريت الدراسة على نموذج “خميس الزمامرة” بإقليم سيدي بنور. وتوقف الأستاذ شكري سلام في عمله على أشكال التحضر ومستوياته ومظاهره، مركزا على مجالات التغير الاجتماعي من خلال مساءلة تحولات البنيات المادية والرمزية والسلوكات الاقتصادية، كما يساءل القيم الثقافية والتعبيرات كما المواقف.
أما العمل الثاني الذي يمكننا أن نتوقف عليه والذي يعالج نفس التيمة وينخرط في نفس التخصص المعرفي لسوسيولوجيا التغير الاجتماعي، هو كتاب “سوسيولوجيا التغير الاجتماعي تساؤلات واستنتاجات حول المغرب“، للباحث المغربي في علم الاجتماع والأستاذ بكلية الآداب واعلوم الإنسانية بالجديدة عبد الهادي أعراب، الذي عمل في مؤلفه الصادر عن مؤسسة مقاربات، على الوقوف معرفيا ومنهجيا، على مفهوم التغير الاجتماعي من خلال الوقوف على أهم الإنتاجات المرجعية وذلك من أجل ضبط إيتيمولوجي للمفهوم، الذي يتداخل في كثير من الأحيان مع مفاهيم أخرى من قبيل التحول التقدم التطور الطفرة …. كما يعتبر العمل انكبابا معرفيا على طبيعة التغير ومجرياته ومقومات حصوله، والسبل المنهجية لدراسته في المجتمع المغربي.
أما العمل الثالث، فهو بمثابة كتاب جماعي موسوم ب: “سوسيولوجيا التغير الاجتماعي، مساءلات في الدين والهوية والقيم“، والصادر عن مختبر الدراسات النفسية والاجتماعية والثقافية بظهر المهراز بفاس، من تنسيق الباحث المغربي في علم الاجتماع والأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد الرحيم العطري، الذي يؤكد في مطلع الكتاب على أن التغير الاجتماعي يشكل مدخلا رئيسا لمساءلة المجتمعات وفهم بنيتها واستيعاب تركيبتها، مؤكدا على أن هدف العمل هو إدراك تحولات البنية الاجتماعية وفهم طبيعتها واكتشاف العناصر الأساسية، التي تحسمها، وتحدد مآلاتها، فإميل دوركهايم مثلا يؤكد على أهمية المؤثرات الخارجية، فيما يحددها ماركس في الأساس الاقتصادي، كون الأصول الأساسية للتغير الاجتماعي لا تكمن لا في القيم والتمثلات الرمزية ولا الثقافية، مركزا على أن عوامل التغير الاجتماعي تختصر في بنية التراتب القائم، والنظام الطبقي السائد.
ختاما مع الكتاب الرابع في هذا الجزء وهو كتاب اختار له صاحبه محمد عبد الخلقي عنوانا “مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي نظريات ومفاهيم“. الصادر عن مؤسسة آفاق، ويقدم الكتاب توضيحات هامة ونماذج نظرية متعددة لفهم مظاهر التغير من خلال تتبع حثيث للتطورات التي طالت استعمال المفهوم، ففي كل عنصر من عناصر المؤلف يثير قضية خاصة، حاول الكاتب من خلالها تقديم عناصر تحليلية تتيح لأي مهتم أن يتموقع ويتطور وفق منطقه ومنطلقاته الفكرية الخاصة. فالكتاب عموما يقدم، بلغة علمية دقيقة ورصينة، المفاهيم والميكانيزمات الخاصة بموضوع التغير الاجتماعي والظواهر المرتبطة به.
المراجع
[1] عبد الهادي أعراب سوسيولوجيا التغير الاجتماعي تساؤلات واستنتاجات حول المغرب: مؤسسة مقاربات للنشر والصناعة الثقافية، الطبعة الأولى 2020.[2] https://e3arabi.com/sociology/مدخل-إلى-السيميولوجيا/.