المحتويات
مقدمة
سبق أن عرض فيلم “يا خيل الله” (2012م) بالقناة الثانية المغربية في وقت متأخر من ليل أحد، وتساءل المتتبع عن الظرفية وسر الاختيار والرسالة التي تريد بعثها القناة، من خلال فيلم أثار كثيرا من الجدل لا من الناحية الفنية، ولا من حيث المضمون، واختيار الممثلين الذين أغلبهم لم يسبق لهم أن مارسوا التمثيل، وفي محاولة لتفسير ما وقع خلال الأحداث الدامية والمعزولة ل 16 مايو 2003 م بالدار البيضاء وعلاقتها بالخلايا الإرهابية وبظاهرة العنف، والعوامل المغذية لها. وقد خلف الفيلم استنكارا من طرف ساكنة سيدي مومن-الدار البيضاء الذين اعتبروا الفيلم إساءة في حقهم وهم الذين يعيشون في الهامش ويعانون من قسوة الحياة وانضافت إليهم تغذية العنف. وهنا تتوالى الأسئلة: هل يولد الإنسان إرهابيا؟ ما علاقة العنف بالهامش والفقر وصعوبة الحياة، أم أن العنف هو في بنية النص وفهمه والنظرة الدونية تجاه الآخر وعدم تقبله وكراهيته، أم أن العنف لا دين له، هو تعبير عن حالة اليأس والإحباط الاجتماعي، ومحاولة للانتقام من الذات والمجتمع؟ من يغذيه؟ ما منطلقات تيار العنف في المجتمعات، من قام بتدريب وغسل دماغ هؤلاء الشباب الذين لم يدخلوا إلى المدرسة ولم يتلقوا التعليم مثل زملائهم؟ ما مسؤولية الدولة والمجتمع في توفير حياة كريمة؟ ما هي الأدوار التنشوية التي يجب أن تقوم بها المؤسسات لحفظ المجتمع من الانحراف؟ هل تجيب السينما عن الإشكالات والتحديات التي تعرفها المجتمعات؟
لقد توج الفيلم المغربي “يا خيل الله” لنبيل عيوش٬ بجائزة أحسن سيناريو في إطار الدورة ال23 للمهرجان الإفريقي للسينما والتلفزيون بواغادوغو (فيسباكو)، وتعد جائزة أحسن سيناريو، التي تحمل اسم جمال بلماحي٬ التتويج الوحيد الذي حصلت عليه الأفلام المغربية الثلاثة التي كانت تتنافس من أجل الظفر بالجائزة الكبرى للمهرجان “فرس اليينينكة” التي فاز بها هذه السنة السنغالي ألان غوميز عن فيلمه ”تيي”.
قصة فيلم ”يا خيل الله “
أحداث الفيلم تستند على حدث واقعي عاش المغاربة مأساته وجرت عليهم العديد من الويلات، وساهمت في الاحتقان لسنوات، وأحدثت أضرارا جسيمة على نفسيات الأفراد، ولم يتقبله المغاربة لغرابتها عن بيئتهم. وقد جاءت أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية لتدخل المغرب في مسار تحدي موجة وموضة التفجيرات والاعتداءات المجانية التي تهلك الحرث والنسل، ولا يجد مرتكبوها تبريرا سوى تسلحهم بالحقد على المجتمع، واعتبرها البعض طريقة جديدة في الاحتجاج، وذهب آخرون على أنها حالة من اليأس تترجم عن طريق إثارة للانتباه بطريقة فظة وعنيفة، ويمكن النظر إليها من زاوية أخرى أنها نتيجة لتأثيرات خارجية، والسقوط في مافيا التجييش باسم الدين وتسخير مصطلحات الجهاد والتغيير عن طريق الاستشهاد للوصول إلى الجنة بأسهل السبل، وقد تكون ردة فعل على ما ترتكبه الآلة الإجرامية في حق الشعوب باحتلالها وقتل الأبرياء فيها.
والسينما بدروها دخلت المعترك من بابه الواسع، وتأتي قصة/ فيلم ”يا خيل الله” لتلامس الموضوع برؤيتها الإبداعية. وكانت منطلقاتها من نفس الحي الصفيحي التي ينحدر منه مرتكبو الاعتداءات، والذين عاشوا حياة فوضوية (مخدرات وعنف وبطالة ويأس) حتى تم تجنيدهم من قبل متطرفين لارتكاب أعمال إرهابية.
ياسين ذو العشر سنوات، كان يعيش مع عائلته بحي سيدي مومن الصفيحي بالبيضاء، أمه، يما، تحاول جاهدة تدبير شؤون العائلة، أبوه مصاب بحالة اكتئاب حاد، أخوه الأكبر غائب في الجندية، وآخر شبه مصاب بمرض التوحد، والثالث 13 سنة صعلوك الحي ”صعصع ” يتولى حماية ياسين.
في الوقت الذي سيجد حميد نفسه في السجن، يراكم ياسين عددا من الأعمال الصغيرة لتجاوز مستنقع العنف والفقر والمخدرات. عند خروجه من السجن، تغير حميد جذريا حيث صار متطرفا خلال الفترة التي قضاها وراء القضبان وسيقنع ياسين وأصحابه للالتحاق ب “الإخوة”. حينها سيواكب معهم الداعية أبو الزبير إعدادا ذهنيا وعقديا، حيث سيخبرهم في يوم من الأيام، أن الاختيار وقع عليهم لنيل الشهادة.
إن فكرة الفيلم المركزية هي أن الإنسان لا يمكن أن يولد إرهابيا، باعتبار أن الظروف الاجتماعية المزرية من فقر وتهميش اجتماعي هي التي تدفع إلى ارتكاب أحداث دموية وإرهابية، مثلما شهدته مدينة الدار البيضاء في 16 مايو 2003.
“يا خيل الله ” بين التأييد والنقد
هناك من اعتبر الفيلم شريطا سينمائيا عالج بشكل فني قضية شباب ساذج ومهمش، ومنسي وفقير ينتقل إلى مشروع انفجاري، وقنابل موقوتة تزهق الأرواح، وتخلق الرعب في الناس، وهناك من رأى فيه نوعاً من النمطية الموجهة للغرب خاصة في “الترويج للكراهية والإسلاموفوبي. “
واعتبره مخرجه نبيل عيوش أنه كان نتاج بحث واتصال ومعايشة مع السكان والجمعيات المحلية والعديد من الشباب في حي سيدي مومن، مضيفاً أنه درس أيضاً طريقة التعامل لدى بعض الإسلاميين المتشددين مع الآخرين، وطرق استمالتهم واستقطابهم لهم من أجل تحقيق أهدافهم وتطبيق آرائهم.
ويضيف “إن هذه السياقات والإعدادات التي سبقت إنجاز “يا خيل الله” أكسبت الفيلم كثيراً من الواقعية التي لم تسقط في فخ التوثيق والسرد الجاف، بل تجاوزته ليكشف الشريط بطريقة فنية تحترم ذكاء الجمهور عن دواعي ظاهرة التطرف الديني الذي لا يُخلَق مع الإنسان، بل يُعد نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية معينة بالأساس”.
فيما ذهب البعض إلى أن الفيلم عنصري، وهذا ما أكده الناقد السينمائي، الدكتور حسن بنشليخة لـ”العربية.نت” أن “يا خيل الله” فيلم عنصري يروج للكراهية والإسلاموفوبيا”، مضيفاً أنه “عمل من صنف المخرجين الهواة، فهو ركيك على مستوى الصورة والأداء وقصة السيناريو السطحية التي تحاول رصد خلفية “الانتحاريين” والجهات التي تجندهم، دون محاولة طرح القضية بشيء من النضج والحياد”.
واستطرد بنشليخة بأن “المخرج استغل الأحداث الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003 لرسم صورة نمطية من صفات وملامح معينة، من قبيل لون البشرة السمراء للاستشهادي القريبة من السواد لغاية الازدراء، وشكله الخارجي من لحية ولباس ونظرات حادة.. إلخ، كأننا أمام برنامج معد للاستخبارات الغربية بتجميع أوصاف “المشتبهين” و”الانتحاريين” بشكل دقيق”، وفق تعبير المتحدث.
أما بالنسبة لقسم كبير من الجمهور الذي شاهد “يا خيل الله” لأول مرة في القاعات السينمائية، فإنه رأى فيه رغم تضمنه لغة وخطاباً قاسياً يصل أحياناً حد البذاءة، وصفاً حقيقياً لما يجري في الشوارع السفلي والأحياء الشعبية التي يتفشى فيها الفقر والجهل، فتنتج عنها ظواهر اجتماعية صادمة ليس أقلها التطرف الديني.
“يا خيل الله” ومحاولة البحث عن أسباب تغذية العنف
لا نجد سببا واحدا يركز عليه فيلم “يا خيل الله” الذي استقى عنوانه من حديث نبوي شريف فهو محاولة، لطرح العديد من الأسباب. فبعد تصوير معاناة سكان سيدي مومن وما يتخبطون فيه من تهميش ومعاناة يومية وصراع مع الفقر والدعارة والهم اليومي ومتطلبات الحياة القاسية التي يعيشها جل سكان الأحياء القصديرية، كسبب في كراهية المجتمع والإسراع نحو تبني خيار العنف. وقد حاول المخرج رسم معالم السينما الدرامية السوداء، وإن كانت مستوحاة من عمل الكاتب والفنان التشكيلي ماحي بينبين، والبحث عن خيط رابط بين الإسلام والعنف وقد استخدم لهذه الغاية مصطلحات تدل على ذلك من قبيل؛ الله أكبر، وجزاك الله خيرا وغيرها، ودقق في تغير حياة الشباب من شباب منحرف إلى شباب ملتزم بالدين وفق رؤية وتصور يعتبر الآخر خارج عن الملة وغير متدين، وهذا يوحي بأن السبب الرئيس للعنف هو التطرف الديني الناتج عن الفقر والتهميش والمفضي بطريقة آلية إلى الانتحار ”الشهادة” في تصور مرتكبيه. لكن نبيل عيوش يطرح أن هناك طرق عدة لتغذية العنف وانتشاره، حيث اتجه حميد إلى هذا السبيل متأثرا بما عاناه في السجن، وليس من ظروفه المأساوية، لاسيما وأن حميد كان زعيما في حيه، وإمبراطور مخدرات.
فيلم “يا خيل الله” وبيان سيدي مومن
تحت عنوان “ما تقيش دربي” صدر بيان يستنكر مضامين فيلم “يا خيل الله“، حيث اندهش مكتب “الجمعية المغربية لفنون التصوير” وعدد من المتتبعين من ساكنة سيدي مومن، من الصورة النمطية التي قدمها فيلم “يا خيل الله “، والذي يصور ساكنة الحي على أنهم “همجيين، شاذين، متطرفين، رجعيين ودمويين“، الأمر الذي نرفضه كأبناء المنطقة وكفاعلين جمعويين وحقوقيين.
نحن لسنا مجرد أشخاص شاذين ومتزمتين ومزعجين لا يحترمون الآخر ويمسون خصوصيته، غير أنه يتضح أن من أنجزوا الفيلم كانوا بعيدين عن التعمق في الموضوع والذي يتعلق بالمعاناة اليومية لشريحة كبيرة من ساكنة الكريان بسيدي مومن، حيث يُظهر سكان سيدي مومن أشخاصا متخلفين بعيدين عن المدنية، تائهين في أزقة ودروب الكريان، يحكمهم قانون خاص بهم، لا فكر لهم ولا ثقافة ولا وعي، لا يتورعون عن الاعتداء على الآخرين، بل يصل الأمر إلى ممارسة الجنس على بعضهم. إن فيلم “يا خيل الله” يهدف إلى تأجيج الخطاب العنصري بين مكونات الساكنة بالمدينة ووضع منطقة سيدي مومن في خانة سوداء، محليا ووطنيا ودوليا.
خلاصة
لقد حاول الفيلم تجسيد مأساة عاشها المغاربة واستنكروها، وعانوا من خلالها، ويتمنى الجميع أن لا تتكرر، وحاول العديدون الركوب عليها لربط الإرهاب بالإسلام وذلك من خلال إبراز دلالات ورمزية الربط الأوتوماتيكي بين الإرهاب والإسلام، واستعمال رمزية يوم الجمعة، والأماكن المطاعم والفنادق والمركز الثقافي اليهودي والمقبرة اليهودية، وعدد المنفذين (14)، وبيان حجم المأساة (44 وفاة)، وجرح المئات.
لقد استوحى مخرج الفيلم نبيل عيوش أحداث شريطه من رواية “نجوم سيدي مومن” لصاحبها الكاتب والفنان التشكيلي ماحي بينبين، التي صورت الحياة الفقيرة التي كان يعيشها شباب حي سيدي مومن، المكون من بيوت القصدير، فكانت بمثابة أرض خصبة لتفشي وانتشار الفكر الانتحاري والمتطرف وسط عدد من شباب المنطقة. الشيء الذي أثار حفيظة ساكنة سيدي مومن ودفعهم لإصدار بيان والاحتجاج على الفيلم الذي صور حسب رأيهم منطقة سيدي مومن وساكنتهم بالمتطرفين، ومشتلا لتخريج شباب العنف وصناعة الموت.
لقد خلفت الأحداث الدامية جرحا عميقا في نفوس المغاربة بصفة عامة، وساكنة سيدي مومن والضحايا بصفة خاصة، وينتظر المجتمع المدني عمل مضني لإنقاذ الشباب من الفكر الهدام، وصناع الموت، وبث روح المواطنة وحب الأوطان، وتمثل قيم الإسلام السمحة، ومواجهة كل أشكال التطرف ليعيش المغاربة في ظل الاستقرار والسلم. ولن يتأتى لهم ذلك ما لم يبادروا لمحاربة كل أسباب إنتاج الجريمة، والقضاء على الفقر والتهميش وإقامة عدالة اجتماعية، ومحارب الفساد والمفسدين.