المحتويات
تقديم
في مسيرته العلمية والفكرية راكم العمل الإسلامي تراثا سلوكيا وتنظيميا وأدبيا أهله ليكون مجال اهتمام الباحثين وتتبع الراغبين في تزكية النفوس والارتقاء بها، واستيعاب مقاصد الشريعة السمحة، مما أثرى المكتبة الإسلامية عبر العصور، وفتح المجال للمجتهدين لإعمال النظر في النصوص الشرعية ومحاولة فهمها والقيام بترشيد التدين.
ويأتي كتاب “نظرات في ترشيد التدين” للدكتور مصطفى قرطاح ليحرك الماء الراكد ويخوض غمار موضوع لا ساحل له، ويساهم في تصحيح مسار تدين الناس وفهومهم، ودفع النقص عن معتنقيه أو التحريف والزيادة التي يتولى كبرها الغالون ويؤولها الجاهلون وينتحلها المبطلون بجهلهم أو نقص في علمهم أو هوى غير سليم في النفس دفين.
مضامين الكتاب
يتناول الدكتور مصطفى قرطاح في كتابه، الذي يقع في 157 صفحة، والصادر عن قسم الإنتاج العلمي والفكري لحركة التوحيد والإصلاح، سلسلة فقه الإصلاح، حقيقة الدين والفرق بين الدين والتدين، حيث أن هناك قيما جاء بها الإسلام وهناك تدين أي ممارسة للدين. فجاء الكتاب بمجموعة من الضوابط التي تساعد في ردم الهوة بين الدين والتدين. ومن هذه الضوابط والمبادئ نجد مراعاة مقاصد الشريعة، ومراعاة التوازن بين الدين والدنيا وبين مطالب الروح والجسد، ثم مراعاة الأولويات: كأولوية الدين وأولوية الإيمان على العمل وأولوية الباطن على الظاهر وأولوية الفرائض على النوافل، والتي باستحضارها يمكن للإنسان أن يدرك ويقيس إن كان تدينه يتماشى مع الدين أم لا.
وينطلق الكتاب من مسلمة أساسية، حيث اعتبر من سبل ترشيد التدين إتباع المنهج القرآني من خلال مدخل الأوامر والنواهي التي يجب على المسلمين الأخذ بها، ومدخل قصص الأنبياء والصالحين، وذكر صفاتهم وأخلاقهم ومواقفهم مشخصة في وضعيات مختلفة، ومدخل صفات المؤمنين وعباده المرضيين مجردة عن أي وقائع وأحداث زمانية أو مكانية، ومدخل بيان أنواع العصاة على اختلافهم وشدة تمردهم، والتنفير من صفاتهم وأخلاقهم. ومدخل عرض نعيم الجنة وثوابها وبيان صفات المستحقين لها، ومدخل عرض عذاب النار والتحذير من صفات المستحقين لها.
والمؤلَّف محاولة للمساهمة في تبديد الازدواجية التي صارت تطبع الكثير من المتدينين، والقائمة على الفرق الملموس بين الحرص والاجتهاد الملحوظ في أداء الشعائر التعبدية وبين التفريط في الأخلاق والقيم التربوية. كما يعد مساهمة في تعزيز الجهود المبذولة في سبيل الرقي بمستوى التدين وتحسين مخرجاته، سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى الأسرة والمجتمع، قصد تقديم نموذج من التدين يكون مصدر سكينة وطمأنينة على صاحبه. ورحمة على مجتمعه، ومصدر أمن وأمان وتقع لوطنه وأمته.
وقد قسم المؤلف، بعد التقديم، كتابه إلى خمسة مباحث، خصص أولها للتعريف بترشيد التدين، ثم انعطف إلى ذكر قصتين من قصص النبي عليه الصلاة والسلام، تبينان عمق وأصالة هذه المهمة المتمثلة في ترشيد التدين، وترشدان إلى أهمية اعتماد الرواية والقصة وكافة الأصناف والأساليب التربوية في أداء تلك المهمة على أحسن وجه. ثم خصص المبحث الثاني للحديث عن أسس التدين الراشد كما جاءت في القرآن الكريم. فيما خصص المبحث الثالث للحديث عن فقه المقاصد وأثره في ترشيد التدين. والمبحث الرابع خصصه لبيان التوازن والاعتدال كخاصية من خصائص دين الإسلام وضابط يضبط التدين الراشد. وخصص مبحثا خامسا لبيان أثر فقه الأولويات على ترشيد التدين ثم أُنهيت هذه النظرات بخاتمة.
خاتمة
لقد وُفق المؤلف في تحديد معنى ترشيد التدين، فهو المجهود العلمي والفكري والتربوي الذي يبذله المسلم بتوجيه من العلماء ليحقق بتدينه مقاصد الدين وغاياته وفق قواعده وأولوياته. وهذا المجهود يفضي إلى هداية الناس إلى أصلح التصورات في العقيدة وأكمل السنن في إتيان الشعائر التعبدية وأرشد الآداب والأخلاق في التعامل بين الناس ويقدم بحثه على أنه إسهام في تعزيز الجهود المبذولة في سبيل الرقي بمستوى التدين وتحسين مخرجاته سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى الأسرة والمجتمع، لتنضاف إلى باقي المجهودات العلمية والتربوية والفكرية التي أسهمت بها حركة التوحيد والإصلاح وغيرها في سبيل تقديم نموذج من التدين يكون مصدر سكينة وطمأنينة على صاحبه ورحمة على مجتمعه ومصدر أمن وأمان ونفع لوطنه. (من تقديم الدكتور محمد بولوز للكتاب ص 10 /11).
وبالجملة، فقضية ترشيد التدين مسألة مركزية وجوهرية، ولها أهميتها البالغة ودورها المحوري في عملية الإصلاح والإقلاع، بل هي الإصلاح ذاته والإقلاع عينه، وإنها الجهاد الأكبر الذي يحتاج إلى إعداد العدة ويفتقر إلى المرابطة الدائمة والتضحية الكبيرة والبذل بلا حدود، وتحتاج إلى النفس الطويل الذي لا يعرف الكلل والملل ويحتاج إلى التجديد المستمر في الوسائل بحسب اختلاف الشرائح والفئات وتغير الأزمان والأجيال، وسلوك المسلمين ونمط تدينهم. هو العنصر الأشد تأثيرا من كل خطاب في تشكيل صورة الإسلام لدى الآخرين وموقفهم منه، قبولا أو رفضا، تقديرا أو احتقارا ميلا أو نفورا ويحدد مقدار نصيبهم ونوعية إسهامهم في مسيرة الحضارة البشرية، فجودة التدين تدفع بالتحضر البشري إلى الأعلى، ورداءته تسهم في تقهقره وانحطاطه، فتصد الناس عن دين الله.