المحتويات
بين يدي التقديم
يعد كتاب “نعمة العلام في اختصار سبل السلام” للأستاذ مولاي أحمد صبير الإدريسي من أهم الكتب التي لخصت “سبل السلام” وهو عمل جاد ومضن، ومتعلق بكتاب في الأحكام الفقهية، ومجال الفقه ليس كغيره من مجالات الدراسات الشرعية أو العلمية، إذ التلخيص هنا يتطرق إلى مسائل فقهية تحتاج قطعا إلى الحذر والحيطة، حتى لا يخل هذا التلخيص أو يفرط أو يتجاوز المطلوب فيخرج الأحكام عن مقاصدها، وقد قام الباحث بجهد كبير، ليخرج هذا العمل في غاية الإتقان بكل ما أوتيه من علم ومن قدرة على البحث. فما مضامين الكتاب وما المنهج الذي اعتمده المؤلف؟.
تقديم الكتاب
في تقديمه لكتاب “نعمة العلام في اختصار سبل السلام” بين الدكتور أحمد كافي أن الله سبحانه وتعالى كتب لبلوغ المرام، وسبل السلام التفاف الخلق إليهما بما جمع الأول من سنته صلى الله عليه وسلم، وما بين الثاني من غزير الفوائد وجميل الحكم والمعاني، ومرد ذلك إلى الإخلاص والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإتقان لصناعة التأليف، وليس يكفي الإخلاص إلا إذا كان إلى جانبه السداد والصواب، وأن يكون المرء من أهل الصناعة الذين أجادوا صناعتهم وتفوقوا ومهروا في فنهم وكلا الشيخين شهدت لهم الأئمة بالإمامة والبروز في علم الشريعة، كما يعلم ذلك من كتب التراجم الحافلة بالثناء عليهما، وتحليتهما بجميل الأوصاف العلمية والعملية.
وأضاف: “إن أخانا الفاضل مولاي أحمد صبير الإدريسي بذل جهدا مشكورا في قراءة الكتاب وتبسيط مادته وتيسير مسالكه بما يناسب همة أهل زماننا، فنرجو أن ينال الأجرين في جمهور ما اختاره ونحا إليه، وأن يكون لبنة لما بعدها..”. (ص 11)
من جهته قام الدكتور عبد الهادي الدحاني بمراجعة تلخيص الكتاب واعتبر المجهود الذي قام به المؤلف جاد ومضن، ووجد فيه الدقة والموضوعية ما يدل على صبر الأستاذ الباحث مولاي أحمد صير الإدريسي، وعلى حسن تتبعه لكل الأحاديث المعتمدة في استنباط الأحكام مما يثبت جدارته ونباهته في إنجاز هذا العمل العظيم، كما يثبت فطنته في إخراجه على الوجه المطلوب في الأبحاث العلمية التي تهدف إلى خدمة طلبة العلم، وخدمة كل من يريد التفقه في دينه.
هذا العمل الجليل الذي نهض به الأستاذ الباحث مولاي أحمد صبير الإدريسي من خلال رحلته الطويلة التي عاشها تحت ظلال “سبل السلام شرح بلوغ المرام..”، والتي ذكر ما عايشه فيها مع إخوانه داخل المجالس التربوية من صعوبات في الاستفادة من استنباط الأحكام، مما دفعه إلى اختصاره في هذا المختصر الذي يقدمه اليوم جاهزا إلى القراء في حلته الجديدة، وهي حلة فريدة تنم عن اجتهاد الباحث في ضبط التلخيص ودقته حتى يكون وافيا بالغرض.
تأليف الكتاب.. الأسباب، المنهج والغايات
نشأت فكرة تلخيص كتاب “سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام” للإمام الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني -رحمه الله تعالى، عند المؤلف خلال الثمانينيات من القرن الماضي، حين تم تقريره ضمن المجلس التربوية التي نظمتها حركة” الإصلاح والتجديد المغربية” وما صاحبها من صعوبات و”معاناة ” الإخوة في التعامل مع هذا الكتاب بخلاف مقررين، هما كتاب “منهاج المسلم” للشيخ أبي بكر الجزائري، وكتاب “فقه السنة” للشيخ سيد سابق، وهما كتابان سهلا التناول مادة ومنهجا. فكتاب “سبل السلام” يعرض فيه صاحبه مادة غزيرة وبمنهج غير مألوف في الكتابين السابقين، فبعد ذكر الحديث، يترجم للصحابي الذي يرويه، ثم يشرح غرائب ألفاظه، ويقف عند معنى الكتاب أو الباب الذي شرع في شرحه، وينقل أقوال العلماء واختلافاتهم في مسائله الفقهية الفرعية، ويسوق لطائف من حديث الباب، ويحل الإشكالات الواردة فيه، ويبرز التعارض الذي قد يبدو في بعض الأحاديث، ويرجح ما يراه راجحاً بالدليل، ويناقش دليل المخالفين (ص15/16).
وقد بذل المؤلف جهدا معتبرا في إعداد الكتاب والاعتناء به حيث شرع في إعداد حصة واحدة لا يتجاوز فيها عشرة أحاديث، ثم شرح الله صدره لإتمام العمل كاملا بعد أن حصلت له دربة في التعامل مع مادته، ومع مرور الأيام والشهور، صار تحت يده رصيد لا بأس به من المجلد الأول، فشجعه على الجلوس لهذا العمل الساعات الطوال دون أن يكل أو يمل،… ثم بدأت الرحلة مع الكتاب يغذيها الأمل في إعداد عمل غير مسبوق قد يكتب الله له القبول فيكون -في المستقبل- إضافة نوعية للمكتبة الإسلامية، بعد أن كان الغرض منه تلبية رغبة آنية، وتحقيق هدف محدود (ص 16).
وكان أن توطدت العلاقة بهذا الكتاب وأنهى المهمة في زمن قياسي، وتسنى له بعد ذلك الجلوس إليه مرارا وتكرارا يصحح أخطاءه ويراجع مضامينه، ويقابل نسخه بعضها ببعض، وكان كلما جلس إليه، سنحت له فكرة بالزيادة أو النقصان، أو التقديم أو التأخير أو الإسهاب و الإطناب أو الاختصار أو الحذف…. ووجد أن حاله مع الكتاب ينطبق عليه قول الثعالبي في مقدمة “يتيمة الدهر: “… أن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة واحدة فكيف في سنين عدة”.
وقد أطلع بعض أهل العلم والفضل من المغرب، وآخرين من المشرق على هذا التلخيص بعد تمامه وكماله، وشجعوه جميعا على طبعه ونشره، إيمانا منهم بجديته وجدته، وراجعه في صياغة عنوانه الدكتور سعد الدين العثماني -حفظه الله تعالى، الذي حضه على الاستغناء عن كلمة “أحكام” حيث كان العنوان في الأصل “نعمة العلام في تلخيص أحكام سبل السلام” وأقنعه بعدم جدواها، ونبهه لما قد تطرحه دلالاتها ومعانيها من لبس، وقدر المؤلف فهم هذا الفقيه الأصولي وقبل اقتراحه، فكان أن صار العنوان على صيغته التي أعد بها للطبع: “نعمة العلام في تلخيص سبل السلام”، وبلغ سروره مداه، وحبوره منتهاه، حين تفضل الأخوان الفاضلان الدكتور عبد الهادي دحاني ، والدكتور أحمد كافي -حفظهما الله تعالى بمراجعة الكتاب والتقديم له، فكان اسمهما شامة على غلاف هذا السفر، وشهادة ترفع قدره وتعلي قيمته.
واتخذ لنفسه منهجا كي يصبح الكتاب مرجعا لمن لم تسعفهم أوقاتهم أو انشغالاتهم، ولمن أبطأت بهم مؤهلاتهم العلمية، ولمن يودون -على عجل- معرفة حكم حديث في الفقه المطروقة. ولمن “يستعظمون” التنقيب في كتاب ضخم من حجم “سبل السلام”… لكل هؤلاء، وغيرهم حرص فيه على الإبقاء على جوهر کتاب سبل السلام، وحذف ما فاضت به صفحاته من علوم وصناعات مما اعتبره مادة خاصة بأهل التخصص الذين حصلوا زادا في علوم الفقه أو الأصول أو مصطلح الحديث أو علم الرجال…
لقد أبقى -رغم حرصه على الاختصار- على بيان درجة الحديث، وعلة ضعفه إن كان ضعيفا خدمة للطالب في معرفة ما يترتب عنه من أحكام فقهية، نظرا لأن حاجة الأمة إلى الفقه حاجة عظيمة جداً، وربما لم يحتج المسلمون إلى شيء – في الماضي أو الحاضر أو المستقبل- كحاجتهم إلى الفقه الذي يمس حياتهم وينظم أكثر مجالاتهم (ص 17/18).
كما حرص على حذف أقوال العلماء واختلافاتهم عند مدارسة الأحاديث وشرح معانيها ولإظهار أحكامها، وما يستتبع ذلك من استفاضة في بعض المسائل الفقهية الفرعية، مكتفيا فقط بما رجح الإمام الصنعاني والذي يكون ترجيحه في الغالب الأعم، موافقا لرأي الجمهور.
وأبقى على بعض الفوائد الفقهية مع بعض التصرف، كلما ظهرت له أهميتها، مع الإحالة غالبا إلى إمكانية العودة إلى الأصل حتى يتسنى لمن شاء التوسع والاستزادة. ولم ير بأسا من بعض الزيادات كأدوات الربط مثلا مما لا يستقيم السياق إلا بزيادتها، ولم يحتج إلى أن يخصها بعلامة، لأنها لا تخفى على القارئ اللبيب، مشيرا إلى أنه أفرغ جهده كي يبقى النص خالصا كما أورده الإمام الصنعاني في الأصل (ص 18).
فهرس محتويات الكتاب
يقع الكتاب في 576 صفحة، وهو من منشورات “مركز التراث الثقافي المغربي” و”دار الكتب العلمية”، وتضمن بعد التقديم ترجمة للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله صاحب كتاب “بلوغ المرام من أدلة الأحكام”، وترجمة الإمام الصنعاني رحمه الله صاحب “سبل السلام شرح بلوغ المرام”، وكتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الجنائز، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، وكتاب الحج، وكتاب البيوع، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الجنايات، وكتاب الحدود، وكتاب الجهاد، وكتاب الأطعمة، وكتاب الأيمان والنذر، وكتاب القضاء، وكتاب العتق، وكتاب الجامع.
خلاصة
لن يسع المطلع على مضمون الكتاب إلا أن يعمل على اقتنائه والنهل منه لما تضمنه من درر نفيسة، وما بذله فيه مؤلفه من مجهود يسر على غير أهل التخصص ما يمكنهم الغوص فيه دون تعب ولا مشقة، ولأن التلخيص ميسر ودقيق فمطالعته وتدارسه مفيد لنا للتعرف على أحكام شرعنا الحنيف كي نعبد الله على بينة من أمرنا وهدي وإتباع لسنة الرسول صلى الله عليه والسلام، والابتعاد عن الخلاف الفقهي، والتركيز على الجانب العملي.
لقد توخى المؤلف أن يكون جهده ذخرا له يوم القيامة وصدقة جارية، ينتفع بها الأجيال، فالله نسأل أن ينفع به في الدارين ويحقق مبتغاه.