الأصل الطوبونومي لكلمة سوس

يعتبر مصطلح سوس من أقدم المصطلحات الجغرافية القديمة المتداولة في المغرب، إلا أن مدلوله اللغوي يبقى غامضا. ويبقى الراجح أن معناها اللغوي في اللغات الحامية- السامية هو المناطق السهلية الخصبة[1]. وعلى العموم فإن كلمة سوس من المصطلحات التي لها حمولة تاريخية كبيرة، حيث واكبت تاريخ المغرب منذ القدم وحتى الوقت المعاصر. وعرف تحولات في حيزها الجغرافي، بين الامتداد والانكماش، وتغيرات من حيث الاسم؛ من السوس الأقصى إلى السوس الأدنى. كما يلاحظ أيضا أن كلمة سوس تتداول أيضا في مناطق أخرى من العالم، فكما نجدها في المغرب فإننا نجدها في تونس (سوسة)  والنيجر  (أووس) والتشاد وفي الأهواز  وفي بلاد خوزستان. والمعنى الذي يجمع بين مدلول سوس في مختلف مناطق العالم هو: الجيد، الحسن، الطيب، واللطيف، وكلها معاني تنطبق على الأراضي السهلية والجيدة والخصبة والطيبة. كما أن ما قدمته لنا الدراسة اللسنية تدل على أن هذه الكلمة، تأخذ مضمونا يطابق الأراضي السهلية. واعتمادا على هذه المعطيات اللسنية والجغرافية والتاريخية يمكن القول أن كلمة سوس تعني السهل الخصب والجيد[2].

سوس في الكتابات التاريخية والجغرافية الأجنبية

يعتبر الجغرافي Pline L’ancien   (23-79 م)من أوائل الجغرافيين القدامى الذين ذكر وا نهر سوس الذي سماه Quosemum. وقد تكون كلمة سوس مشتقة من اسم النهر Quosemum. وفي القرن 16 م ذكر  مامول كاربخال (1524- 1600م)  Luis del Mármol Carvajal منطقة سوس، مشيرا إلى أن إقليم سوس اتخذ اسمه من نهر هو أكبر نهر في بلاد “البربر” في جهة الغرب، وهو نفس الأمر الذي ذهب إليه لويس ماسينيون (1883-1962)  Luis Massignon فيما بعد، والذي أشار إلى أن سوس مشتق من إسم نهر سوس[3].

سوس في المصادر العربية  الوسيطية

أما المصادر العربية في العصر الوسيط (اليعقوبي، ابن حوقل، البكري، ابن عذاري، الإدريسي…)، فقد تحدثت عن سوس بإسهاب. وما يمكن استنتاجه من تلك الكتابات هو أن المعطيات التي أوردتها تتشابه وتتكرر، وتشير أيضا إلى أن مصطلح سوس كان يشمل كامل المغرب تقريبا، من وراء طنجة إلى درعة، ومن غرب سجلماسة إلى البحر، ومن تلمسان إلى سجلماسة. وهذا الحد هو الحد الأقصى لسوس في الكتابات الوسيطية. وتقسم تلك المصادر الإقليم إلى السوس الأدنى والسوس الأقصى. فالسوس الأدنى يمتد من الشمال (خلف طنجة وتامسنا) إلى نواحي مراكش. أما الأقصى فيمتد في ما وراء مراكش إلى مصب واد درعة[4].

سوس في الفترة الحديثة

في الفترة الحديثة، أصبحت النصوص تتجه نسبيا إلى تحديد أكثر دقة وأقرب إلى واقعه الحالي. ففي بداية القرن 15م أصبح مصطلح سوس ينطبق على ما يسمى بالسوس الأقصى، وعوض مصطلح السوس الأدنى–الذي كان يشمل شمال المغرب مع إدخال طنجة كعاصمة- بمصطلح الغرب، لذلك فإن أغلب الكتابات الحديثة ستتحدث عن السوس الأقصى، وسيختفي السوس الأدنى مؤقتا  قبل أن يعود في القرنين 17 و18 الميلاديين، ليشمل فقط القسم الشمالي لسوس بين واد سوس إلى واد والغاس (وادي ماسة) وعاصمته تارودانت. أما حسن الوزان (1483م- 1550م) فهو يحدد سوس فيما وراء جبل درن. وفي القرن 19 م، أشار صاحب “رحلة الوافد” عبد الله ابن ابراهيم التاسفتي (ق 12ه/18م)  إلى حدود سوس، فحصرها بين جبل درن في الشمال إلى مدينة نول في الجنوب على أبواب الصحراء. وحدد حدود فسمي سوس، حيث يمتد الأقصى من ماسة إلى أن يمتد بأرض الصحراء، ويمتد الأدنى من وادي العبيد قرب مراكش إلى ماسة[5]. كما استمر نفس التقسيم السابق بين السوس الأدنى الذي يمتد من جبل درن ورأس الواد إلى واد والغاس (ماسة)، أما الأقصى فيمتد من وادي والغاس (ماسة) إلى الصحراء.

ويستخلص مما سبق إلى أن مفهوم سوس قد انتقل من الدلالة على مجال واسع، يمتد من طنجة في العصر الوسيط، إلى تامسنا وشمال جبل درن، في القرن 15م، إلى ما وراء جبل درن حتى الصحراء ، في القرن 16م و17م، ثم انقسم إلى قسمين: السوس الأدنى والسوس الأقصى[6]. وقد اختلف أيضا في حد الأقصى لهذا الأخير (السوس الأقصى)، حيث اعتبر محمد الإكراري أحد مؤرخي المنطقة الساقية الحمراء الحد الأقصى للسوس الأقصى، وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه المختار السوسي، والبعض آخر اعتبر أن الحد الأقصى هو  بداية رمال الصحراء ونهاية السلسلة الجبلية الأطلسية[7].

منطقة سوس عند السوسيين

إذا كان أغلب المؤرخين والرحالة سواء المغاربة أو الأجانب ينطلقون من اعتبارات جغرافية وطبوغرفية لتحديد مجال سوس، سواء في الفترات القديمة أو الوسيطة وحتى الحديثة، فإن السوسيين ينطلقون من معطيات قبلية ولسنية لتحديد المنطقة التي يطلق عليها إسم سوس. وبناء على هاذ الإعتبار فإن منطقة سوس بشقيها تمتد من السفوح الجنوبية للإطلس الكبير ومن جبل سيروا لتتجه نحو الجنوب، ثم تسير بمحاذاة مجرى وادي درعة إلى مصبه مرورا بحدود قبائل إداوبلال وأيت أومريبط في منطقة باني وأيت أسا وقبائل تكنة بوادي نون[8].

كما أن عددا من القوى المحلية في سوس كانت تنظر إلى هذا الإقليم باعتباره إقليما فريدا وذا مقومات ومميزات تعتبر رافعة لتأسيس دول وكيانات بديلة للسلطة المركزية، فنجد هذه النظرة مثلا عند أحمد بن محرز (1677_1684)، وعند الأمير  محمد العالم (1700-1705 ) الذي تمرد على والده مولاي إسماعيل وأعلن إمارته بسوس. كما نجد نفس النظرة السابقة عند الثائر الطالب صالح (1748-1752)، وأيضا عند الإمارة السملالية الثانية مع سيدي هاشم (1810م) التي حاولت إحياء إمارة تازروالت (القرن 17م)[9].

المفهوم المخزني لإقليم سوس

وبسبب البعد والإنعزال الجغرافي الذي جعل منطقة سوس بعيدة جغرافيا عن مركز المخزن المغربي (السلطة المركزية)، فإن المخزن كان ينظر إلى منطقة سوس على العموم باعتبارها منطقة نائية، معرضة للعصيان والتمرد والانفصال من وقت إلى آخر، لذا كان دائما يتعامل معها بمنطق الحرص على تثبيت وجوده هناك وإظهار قوته وسلطته، بل ويعطيها اهتماما خاصا. كما أن منطقة السوس كانت دائما ضمن الأقاليم الكبيرة للدولة المغربية إلى جانب أقاليم: مراكش وفاس ومناس ودرعة وتافيلالت وتيكوراري (كورارة) والصحراء وتوات وغيرها من الأقاليم التي كانت تكون المغرب تاريخيا[10]. وهذه النظرة هي التي كانت تدفع المخزن في بعض الحيان إلى القيام بعدد مهم من الحركات نحو سوس لقمع ثائر من الثوار  أو  لاقتطاع ضريبة من قبيلة عاصية. وبالإضافة إلى تلك النظرة فإن المخزن المركزي كان ينظر إلى المنطقة باعتبارها منطقة استرتيجية بالنظر إلى توفرها على عمقين استرتيجيين، الأول: الساحل؛ عبر  موانئه الرئيسية الثلاثة؛ أكادير وماسة ونون، والثاني: الصحراء كمنفذ نحو السودان الغربي[11].

المراجع
[1] معلمة المغرب، حنداين محمد، الجزء 15، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، الرباط، 1989، ص 5169.
[2] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط2، 2019، الرباط، ص 50-51.
[3] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، مرجع سابق، ص 52-53.
[4] معلمة المغرب، حنداين محمد، مرجع سابق، ص 5169.
[5] معلمة المغرب، حنداين محمد، مرجع سابق، ص 5170.
[6] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، مرجع سابق، ص 60.
[7] لغمائد عبد الله، يهود منطقة سوس 1860-1960 دراسة في تاريخ المغرب الإجتماعي، دار أبي رقرارق للطباعة والنشر، الرباط، ط1، 2016، ص 28.
[8] لغمائد عبد الله، يهود منطقة سوس 1860-1960 دراسة في تاريخ المغرب الإجتماعي، مرجع سابق، ص 29.
[9] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، مرجع سابق، ص 65-67.
[10] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، مرجع سابق، ص 57.
[11] حنداين محمد، المخزن وسوس 1672-1822، مرجع سابق، ص 70-72.