مقدمة

ارتبط مشروع مجالس القرآن بالصيغة التي وردت في متن هذا الكتاب ارتباطا وثيقا بالعلامة فريد الأنصاري، والكتاب الذي بين أيدينا حلقة من حلقات هذا المشروع، فبعد الجزء الأول والثاني من المدارسات القرآنية لبعض السور القرآنية، يأتي الجزء الثالث استكمالا ولبنة خاتمة لما يسر الله للراحل خطه من كلمات وهدايات قرآنية مستنبطة من آيات القرآن الكريم. ويقع الكتاب، لصاحبه فريد الأنصاري، في 749 صفحة من الحجم المتوسط، وهو من منشورات “دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة”، وقد نشرت طبعته الأولى سنة 1437ه/ 2016م.

محتوى الكتاب

تضمن الكتاب مقدمة، وتقديما، ومدارسة قرآنية في سورتي البقرة وآل عمران، وسيرة ذاتية للمؤلف، وإصدارات دار السلام.

في التقديم أشار الأستاذ محمد المودني أن مجموعة من التفاصيل ذات العلاقة بالكتاب بين فيها مسألة مهمة وهي العزم القوي الذي كان الشيخ فريد الانصاري قد عقده على نفسه وهو إتمام مدارسة القرآن سورة سورة إلا أن أجل الله أخذه قبل تحقيقه هذه الأمنية، وتناول مسار الراحل مع مشروع مجالس القرآن وتلك الرحلة الهامة في سبيل الوصول إلى بر القرآن الكريم وكذا منهجية عمله في هذا المشروع الدعوي الواعد، كما قدم صاحب التقديم تعريفا خاصا للهدى المنهاجي عند الأنصاري.

أما المقدمة فأهم ما جاء فيها تذكير بما قدم به الأنصاري في الجزأين الأول والثاني من مجالس القرآن حيث وقف المؤلف على الهدف من مشروع مجالس القرآن، وأهدى كلمات إلى أصناف من الناس ممن ذكرهم في المقدمة، ثم كرر التذكير بأهمية القرآن في حياة الإنسان فالقرآن كان ولا زال هو محرك الإنسان وصانعه صنعا عمرانيا، وأعاد طرح السؤال حول ماذا تغير الآن إذا كان القرآن هو القرآن الذي نزل والإنسان هو نفسه الإنسان. ثم بين أن الجواب يكمن في منهج التعامل مع القرآن وتلك هي القضية الأساسية في مشروع المجالس، ووقف المؤلف عند تحليل عناصر عنوان الكتاب مبرزا أن المجالس القرآنية هي الركن الركين لهذا المشروع الدعوي الواعد، ولم يفته التذكير بما تقدم من الجزأين ( الأول والثاني) من مجالس القرآن وما تضمناه من السور القرآنية ـ موضوع التدارس ـ

وفي مجالس القرآن مدارسة لسورتي البقرة وآل عمران وفق منهجية مجالس القرآن التي وضعها الأنصاري والتي عرفت عند الأنصاري بالخطوات الآتية؛ التقديم للسورة، كلمات الابتلاء، البيان العام، الهدى المنهاجي، مسلك التخلق، وأخيرا خاتمة السورة.

وبعد ذلك يجد القارئ للكتاب في آخره سيرة ذاتية للمؤلف وإصدارات دار السلام.

هدف الكتاب ومنهجه

مشروع مجالس القرآن لصاحبه فريد الأنصاري، له هدف موحد في كل الأجزاء الثلاثة، وهو ما أشير إليه في مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا، من أن مشروع “مجالس القرآن” بصورته العلمية، يرجى له أن يجعل المؤمن يندمج في فضاء القرآن، ويتلقى آياته كلمة كلمة، تلاوة وتزكية وتعلما، وهي لذلك تمثل صلب المنهاج الفطري الذي يدعو إليه المؤلف، كما بينه مفصلا في كتابه “الفطرية”.

بالنظر والتأمل في الكتاب، تجد منهجه نفسه هو ما سار عليه المؤلف فيما سبق من كتب المجالس (ج 1و2)، وإجمالا فإن الكتاب تضمن منهجية بحثية تقوم على المناهج البحثية كالآتي:

  • المنهج التوثيقي: بالنظر في مضمون الكتاب يظهر أن العلامة فريد ـ رحمه الله تعالى ـ جمع مادة الكتاب من كتب تفسير أخرى وعمل على إعادة تركيبها تركيبا متناسقا، بما ينسجم ويحقق أهداف الكاتب من إبداع هذا المؤلف.
  • المنهج التحليلي الوصفي: إذا كان الداعية العالم فريد الانصاري من الذين أسهموا في التأسيس لأبجديات البحث في العلوم الشرعية، وتحدث عن مناهج البحث، فإنه لم يغفل التحقق بها في كتابه هذا، بحيث يجد القارئ حضورا قويا للمنهج الوصفي التحليلي حيث إن الكتاب وبعد عرضه للمادة العلمية، بذل جهدا كبيرا في تحليلها وتفكيكيها، حتى إن القارئ يكاد يصل إلى خلاصة مفادها أن أغلب مادة الكتاب صيغت بلغة الكاتب تحليلا ومناقشة. ثم يضاف إلى ذلك النقد حيث تجده واضحا عندما تحدث الكاتب منتقدا نفسه بخصوص علاقته مع القرآن وكيف غابت عن كنوزه منذ زمن ليس باليسير فلم يذوق حقيقته ورسالاته إلا بعد جهد في الاقتراب منه أكثر.

مزايا الكتاب

  • تجديد الدين سنة كونية ومطلب شرعي، فالأمم التي لا تتجدد تتبدد، ومن التجديد، والناظر في الكتاب موضوع القراءة يلمح البعد التجديدي، والنفس الاجتهادي الإبداعي، ذلك أن المؤلف بذل جهده للتحقق بالتوجيه النبوي الداعي إلى تجديد الدين على رأس كل مائة، فقدم مدارسة للقرآن الكريم ذات منهجية جديدة مختلفة عما هو عليه الأمر عند كثير من الباحثين والدارسين والمهتمين بالنظر في القرآن الكريم، وما يجلي هذه الحقيقة، هو مجموع المراحل التي وضعها العلامة فريد في عرضه لرسالات القرآن، وهو ما عبر عنه سلفا بطريقة عرض الرسالات.
  • تعاني العلوم الإسلامية جملة من المشكلات منها الاجترار والتقليد والجمود، كما قرر ذلك بعض الباحثين، ولعل الكتاب المدروس محاولة لتجاوز بعض منها، يدل على ذلك ما قدمه من رؤية ومنهجية جديدة للنظر والتعامل مع كتاب الله تعالى، ومنه يعد ما قدمه العلامة فريد عملا نوعيا وإجابة فريدة تسهم في تجديد علم من العلوم الإسلامية وهو علم التفسير بما هو نظر في كتاب الله عز وجل.
  • شهد تاريخ المغرب ضعفا في الانتاجات العلمية الخادمة للقرآن ا لكريم[1]، ولا شك بأن هذا الكتاب لبنة من لبنات إثراء حركة النظر في كتاب الله العزيز مضافا إلى جهود مغربية سابقة تألقت في إغناء الرصيد العلمي للمكتبة المغربية. أمثال الشيخ المكي الناصري وعبد الله كنون وغيرهم من العلماء العاملين.
  • جدير أن ثمة قراءات عديدة للقرآن الكريم منها ما يمكن تسميته بالاتجاهات القرآنية التي تزعم الاستغناء عن السنة النبوية وأحاديث النبي عليه السلام لفهم كتاب الله تعالى، فلسان حالهم يقول ألا حاجة بالسنة لكمال التعامل مع القرآن، إلا أن العلامة الأنصاري لم يكن من هذا التيار القرآني بل جعل من السنة مصدرا أساسيا في مشروع مجالس القرآن ، ويكفي للتأكيد على هذه الحقيقة الرجوع إلى متن الكتاب، فقيه استحضار واستثمار واستشهاد في مواطن كثيرة منه بأحاديث النبي عليه السلام بما يقطع الشك باليقين في أن السنة ليس ذات بال لمن رام النظر في القرآن الكريم.
  • حرص المؤلف على تسمية الكتاب ب “مجالس القرآن” دونما إشارة تشير إلى اسم المؤلف في العنوان خاصة، فإذا كان مألوفا تسمية بعض تفاسير القرآن الكريم باسم أصحابها مجازا مثل “تفسير فخر الدين الرازي” “مفاتيح الغيب”[2]، بخلاف مجالس القرآن بأجزائه الثلاثة.
  • يتميز الكتاب بالسلاسة والسلامة اللغوية والاسلوبية، الشيء الذي يجعله في متناول فئة عريضة من القراء والمهتمين بالدراسات القرآنية.

ـ الحضور القوي للمؤلف في جميع صفحات الكتاب، بحيث يمكن للقارئ التوصل إلى فكرة مهمة في هذا الصدد، وهي أن أغلب مادة الكتاب صناعة المؤلف ومن بنات أفكاره. الأمر الذي يختلف عن دراسات وأبحاث كثيرة ذات طبيعة تجميعية وصفية للحقائق والمعارف أكثر منها تحليلية نقدية.

ـ التفاعل القوي بين الكاتب وكلماته بحيث تمكن المؤلف من جعل أفئدة الباحثين تهوي إليه، دراسة وبحثا حتى أن المتتبع يكاد يحصي كثيرا من المبادرات التي سارت على منواله ـ رحمه الله ـ في منهجية مدارسة السور القرآنية.

ملحوظات حول الكتاب

لكل شيء إذا ما تم نقصان، فقد سجل المقال جملة من المزايا التي تعد معبرا عن قيمة المؤلف وصاحبه، ومع هذا كله تبقى هناك ملاحظات حوله، نذكر منها:

  • غياب خاتمة الكتاب، ومعلوم أن الخاتمة من تقنيات البحث العلمي، كما قرر ذلك فضيلة العلامة فريد رحمه الله[3]. إلا أن الأجل المحتوم ـ كما تقدم في تقديم الكتاب ـ حال بين المؤلف وبين كتابة خاتمة الكتاب.
  • بإعمال الملاحظة في الإحالات المختلفة التي اعتمدها الكتاب، يلاحظ أن الكتاب غني بالمصادر والمراجع التي ينطلق منها المؤلف ويجعلها عمدته في مجالس القرآن، ومع ذلك فإنك تجد الكتاب أغفل الإشارة إليها في آخر صفحات هذا العمل العلمي المفيد، كما هو معهود في البحوث والدراسات العلمية.

خاتمة

صفوة القول، لئن كان الله كتب للدكتور فريد ومنحه من القوة والعزيمة لتقديم وتطبيق منهجية جديدة لتدارس القرآن الكريم، فكانت نتيجة ذلك خروج عمله في ثلاثة أجزاء نافعة مفيدة لكل ناظر متأمل في كتاب الله العزيز، فإن الحاجة ماسة في وقتنا هذا لطائفة تنفر للتفقه في الفرقان وتستخرج باقة كنوزه العطرة مما لم يكتب للأنصاري إكماله، ولا شك أن ذلك من خدمة كتاب الله وأعظم بها من خدمة تقدم له، وهو خدمة لروح الفقيد إذ محبة أهل العلم تقتضي فيما تقتضيه إتمام ما بدؤوه من المجهودات الحسنة عساهم ينالوا أجر أثارها فيكون ذلك في ميزان حسناتهم.

المراجع
[1] عبد الله كنون الحسني، تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، منشورات حركة التوحيد والإصلاح و مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي، ص 7.
[2] مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، الطبعة الثالثة، 1421ه/2002م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ص 377.
[3] الأنصاري فريد، أبجديات البحث في العلوم الشرعية (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق، ص 122.