صدرعن معهد الشارقة للتراث بالإمارات، كتاب:” قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية”، الذي يقع في 348 صفحة من القطع المتوسط، للدكتور سعيد يقطين الباحث في السرديات والتراث الشفوي، الطبعة الأولى:1440 هـ/ 2018 م / الشارقة.

وفي مقدمة الناشر يقول الدكتور عبد العزيز المسلم:” المعرفة كتاب وحروف، ومداد يرسم الكلمات ليحولها إلى معان مفيدة، سواء كلمات بشكلها التقليدي، أو باعتبارها نصوصا افتراضية على أجهزة وبرامج، أو تطبيقات ذكية مهيأة للقراءة…

وفي نفس الصدد يضيف رئيس معهد الشارقة للتراث، “أن معهد الشارقة للتراث أخذ على عاتقه إثراء المكتبة العربية بما يعزز قيمة البحوث والدراسات العربية والمترجمة من وإلى العربية، لتكون نبراسا وعونا لكل باحث أو طالب، وحتى لا تكون الإصدارات العربية أقل قيمة وشكلا ومضمونا من مثيلاتها في اللغات الإنسانية الأخرى”.

قال الراوي: رؤية شمولية للسرد العربي

وعن دوافع تأليف الكتاب يقول الدكتور سعيد يقطين في مقدمة الكتاب بأن: إحدى وعشرون سنة مرت على طبع كتاب “قال الراوي: البنيات الحكائية في السيرة الشعبية” (1997)، ظل خلالها مرجعاً في آن واحد لكل من يتناول السير الشعبية خاصة، والسرد العربي القديم بصفة عامة، والرواية بصورة أخص. ظهرت كتابات كثيرة عنه، كما تناولته رسائل وأطاريح بالدراسة والاستشهاد، أو النقد. صدر هذا الكتاب ليكون امتداداً لـ كتاب: “الكلام والخبر: مقدمة للسرد العربي” (1997)، الذي اعتبرته في الوقت نفسه تنظيرا لقضايا السرد العربي من جهة، ومدخلا لدراسة السيرة الشعبية العربية من جهة ثانية. وخلال الاشتغال به أصدرت “ذخيرة العجائب العربية: سيرة سيف بن ذي يزن” (1994). وجاء بعده كتاب “السرد العربي: مفاهيم وتجليات”، طبعة دار رؤية (2006)، ليوسع بعض القضايا التي تناولها هذا الكتاب ومقدمته الكلام والخبر.

ويكمل الباحث سعيد يقطين من خلال هذه التوضيحات التي قد تغيب عن القارئ غير المتتبع، أنه جاء ليكون ضمن حلقات مترابطة من البحث السردي الذي اشتغلت به منذ “القراءة والتجربة: التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب” (1985). فعندما كنت أشتغل بتحليل الخطاب الروائي: الزمن، السرد، التبئير” (1989)، وتوسيعه “انفتاح النص الروائي: النص والسياق” (1989)، منذ بدايات الثمانينات من القرن الماضي، كنت أعمل على توسيع قراءاتي في السرد العربي القديم؛ لأني كنت مهتما بالتفكير في رؤية شمولية للسرد، ومعنيا بشكل خاص ببلورة تصور دقيق للسرديات (باعتبارها علما للسرد)، لا بتطبيق نظريات سردية على الرواية العربية.

قال الراوي: المشروع السردي  

ويقر الدكتور سعيد يقطين على أن هذا  المشروع أتاح له اختيار السيرة الشعبية العربية لاستكمال تلك الرؤية، ولإقامة التصور السردي، وفق مراحل، كانت بدايتها مع “القراءة والتجربة”، وجاءت تجربة “تحليل الخطاب الروائي”، لتضع الأسس الكبرى، التي تعمقت مع “انفتاح النص الروائي”، و”الرواية التراث السردي”، الذي أعتبره بمثابة الجسر بين الرواية كنوع سردي حديث، والسرد العربي القديم, وكان “الكلام والخبر” بمثابة الإطاري النظري العام لتشكيل رؤية سردية شمولية، حيث ميزت بين السرديات العامة التي تهتم بأي سرد، وسرديات الخطاب، وسرديات النص، وسرديات القصة، باعتبار كل منها علما فرعيا لا بد من أن نوفر له موضوعه، ومبادئه ومقاصده ضمن رؤية سردية متكاملة ومترابطة.

قال الراوي: السياق والآفاق

وعن أسباب تأليفه لكتاب: ” قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية”، يشير يقطين إلى أن هذا الكتاب جاء ليحلل البنيات الحكائية المتصلة بالقصة، وكان هذا جديدا في المشروع الذي اشتغلت به. لم يهتم السرديون وعلى رأسهم جيرار جنيت بالقصة؛ لأنه كان معنيا بالخطاب، وهو ما كان يميز “السرديات” عن “السيميائيات الحكائية” التي أقام أسسها ومبادئها غريماس ومدرسة باريس. وكان أن استفدت من المشروع السيميائي في تحليل “المحتوى” الحكائي، أو “المدلول”، كما يسميه السيميائيون، أو “القصة”، كما يسميها السرديون. وعملت على تحليل المادة الحكائية في السيرة الشعبية (البنيات الحكائية)، وفق التصور السردي نفسه الذي اشتغلت به في تحليل الخطاب السردي، باعتباره “جملة كبرى”. وميزت هذه الجملة عن غيرها من الجمل في اللغة العربية بأنها “خبرية”، وحددت مكوناتها في الفعل، والفاعل، والزمان والمكان، وبذلك جاءت مكونات الخطاب متلائمة مع مكونات القصة:

  • القصة: الفعل (الحدث)/ الفاعل (الشخصية)/ الزمان/ المكان.
  • الخطاب: الفعل (السرد)/ الفاعل (الراوي/ الشخصيات)/ الزمان.

ويؤكد سعيد أنه مع كتابهقال الراوييمكن أن أؤكد أن مشروعي السردي قد “استوى” وهو يحيط بمكونات العمل السردي من خلال مختلف جوانبه التي اهتم بها المشتغلون بالسرد، سواء كانوا سرديين أو سيميائيين في المرحلة البنيوية. كما أنه “اكتمل” بتقديمي مفهوم “النص السردي”، للاشتغال بما يهتم به الباحثون اليوم تحت مسمى “السرديات ما بعد الكلاسيكية”، في مرحلة ما بعد البنيوية...

ويختم يقطين بقوله؛ هذا هو السياق الذي جاء فيه هذا الكتاب، وعندما كتبت “استوى” المشروع، و”اكتمل”، كنت أقصد بذلك أنني وضعت له الإطار العام الذي يحدد الرؤية، ويدقق التصور، ويجعلهما معا منفتحين على البحث والتحليل. وهذا ما يشكل آفاق البحث السردي العلمي العربي، كما أتصوره، وهو يتطور ليعانق قضايا متعددة، تتجاوز البحث في السرد المقدم بواسطة اللغة، أو بوسيط شفاهي أو كتابي، إلى الوسائط المختلفة، ومن بينها “الوسيط الرقمي”: السرديات القديمة.

قال الراوي: الفرق بين المشروع العلمي وغير العلمي

وأخيراً، يقر الدكتور سعيد يقطين أنه لا يمكن لأي مشروع علمي أن يستوي أو يكتمل. لأنه مفتوح ومنفتح أبدا، ولا يمكن أن ينغلق نهائيا. أما العمل غير العملي، فإنه بلا مستقبل؛ لأنه بلا ماض، ولا حاضر. ولذلك، أخيرا، فأول من يتجاوزه ليس فقط الزمن، ولكن صاحبه قبل غيره. وهذا هو الفرق بين المشروع العلمي، وغير العلمي في الدراسات الأدبية، وغيرها من العلوم الحقة، والاجتماعية والإنسانية.

ويضم الكتاب بين ثناياه، مدخل، وخمس فصول، على الشكل الآتي:

  1. تأطير: من أجل سرديات للمادة الحكائية
  2. الفصل الأول: الأفعال – الوظائف
  3. الفصل الثاني: الشخصيات، الفواعل، العوامل
  4. الفصل الثالث: البنيات الزمانية
  5. الفصل الرابع: البنيات الفضائية
  6. الفصل الخامس: البنيات والوظائف: تركيب مفتوح