مقدمة

تفسير كتاب الله تعالى واحد من أشرف العلوم التي اجتهد فيها المسلمون عامة والمغاربة خاصة، ومن هؤلاء الأعلام في بلد المغرب، الذين كان لهم باع وزاد ماتع ومفيد في هذا الباب، العلامة عبد الله كنون الذي بذل جهدا واستفرغ وسعا كبيرا في إخراج تفسير سماه “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” – وهو من منشورات حركة التوحيد والإصلاح بشراكة مع مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي، الطبعة الأولى،1441هـ/2019م. فما أهم ملامح تفسير سور المفصل؟ وما أهم محتويات هذا الكتاب؟، وما هدفه ومنهجه؟، وما المزايا التي تميز بها والملحوظات التي لوحظت عليه؟

ملامح تفسير العلامة عبد الله كنون للقرآن الكريم

يعد العلامة عبد الله كنون واحدا من الأعلام المغاربة الذين عنوا بتفسير بعض سور كتاب الله عز وجل، ومن مؤلفاته في هذا الصدد كتاب: “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم”.

ومما لا شك فيه أن لكل مؤلف منهجا يشترك فيه أو يتميز به عن غيره، وبالنظر إلى تفسير سور المفصل، نجد العلامة عبد الله كنون قد سلك منهجا في تفسيره، ومن ذلك ما يأتي:

  • اعتماده على الاختيارات المغربية في القراءة القرآنية:

من المعلوم أن المغاربة صارت لهم اختيارات، منها: قراءة الإمام نافع برواية ورش؛ “هذا الاختيار المغربي للقراءة القرآنية والمذهب الفقهيـ يقصد قراءة الإمام ورش عن نافع…”، وعندما نرجع إلى مقدمة تفسير العلامة عبد الله كنون نجده يشير إلى هذا الملمح، حيث يقول: “ثم إن قراءتنا المعتمدة هي قراءة نافع برواية ورش التي قيل: إنها السنة، ولكنا نشير إلى غيرها عند الاختلاف”.

  • إعماله الترجيح والتوضيح عند التشعب:

إن هذه الطريقة نجدها في قوله: “وقد كان لنا بعض الترجيحات والتوضيحات التي اعتمدنا فيها النظر عند تشعب الرأي”. وضرب لذلك أمثلة يرجع إليها من أراد التوسع في الأمر.

  • القول بظاهر الآيات والتعضيد بالمأثور من التفسير:

وفي بيانه لهذا الأمر (الضابط) يقول رحمه الله: “فإننا في تفسيرنا هذا لم نمل عن ظاهر الآيات ولم نصرفها عن وجهها ولم نعتضد بغير المأثور في بيان المعنى المراد….

  • اقتصاره على المفصل من القرآن الكريم:

ويقصد رحمه الله بالمفصل: “ما يأتي بعد المثاني من قصار السور، وسمي بذلك لكثرة الفصل فيه بين السور بالبسملة”.

وجعل ابتداء سور المفصل من سورة الحجرات، “وابتداؤه على الراجح من سورة الحجرات إلى الختم، وهو أقسام ثلاثة (طوال) من الحجرات إلى عبس، و(وسط) من عبس إلى الضحى، و(قصار) من الضحى إلى الناس”.

  • الاستفادة من مفسرين مشارقة ومغاربة:

يبرز هنا انفتاح صاحب” تفسير سور المفصل” على مختلف الاجتهادات التي عنيت بتفسير كتاب الله تعالى. ومن ذلك ما عبر عنه بقوله: “وألم تفسير الشيخ محمد عبده لجزء عم بعناصر الفكرة التي ذكرتها، وكذلك عبد القادر المغربي في تفسيره لجزء تبارك.

  • محاولة تبسيط القرآن الكريم لعامة الخلق:

نقف في هذا الصدد على قول محافظ خزانة عبد الله كنون، حيث يقول: “وهكذا من خلال هذا التفسير نجح العلامة سيدي عبد الله كنون في تقريب القرآن إلى الأذهان وتبسيط المهم من خطاب دعوته في سرعة ويسر”.

  • التركيز على الأسس التي قامت عليها دعوة الإسلام:

نجده في هذا الصدد يعبر عن هذا المعنى بقوله: “مركز على الأسس الثلاثة التي قامت عليها دعوة الإسلام، وهي تصحيح عقيدة التوحيد بتطهيرها من الشوائب، وتزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا، وإعداد المسلمين لقيادة الإنسانية إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها.

من خلال قوله هذا نلحظ البعد الإنساني في فكر ومنهج العلامة كنون رحمه الله حيث جعل من غاية تفسيره خدمة الإنسانية.

  • الخلو من الاصطلاحات العلمية والأقوال المتعارضة:

يقول صاحب “النبوغ المغربي…“: “وأدنى ما كنت أتصوره لتحقيق هذه الغاية، تفسير في مثل حجم القرآن مرتين أو ثلاثا على الأكثر، سهل العبارة خال من الاصطلاحات العلمية والأقوال المتعارضة”.

لقد حاولت استخراج بعض مما يمكن اعتباره من ملامح منهج العلامة عبد الله كنون، وذلك استنادا إلى كتابه الموسوم بـ “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” عسى أن يكون فيما عرضته نفع لكل من نظر فيه متعلما، وأن يكون لي منه نفع حين ينظر إليه الباحثون المتخصصون فأنتفع بعلمهم، ورأيهم السديد.

محتوى الكتاب

يحتوي الكتاب في متنه على ما يلي:

1- تقديم ذ. عبد الرحيم الشيخي: أبرز الشيخي في هذا التقديم مجموعة من الأفكار وهي:

  • كون حظوظ المغاربة من التفسير في القرن العشرين كانت قليلة.
  • بعض الدراسات التي أنجزت حول تفسير سور المفصل من القرآن الكريم.
  • بعض مميزات الشيخ عبد الله كنون، ومنها الدعوة إلى الله.
  • المنطلقات التي انطلقت منها حركة التوحيد والإصلاح في طبعها لكتاب تفسير سور المفصل.
  • الدعوة إلى حسن استثمار تفسير كنون في مجالات التعليم والإعلام والإرشاد وغيرها من المجالات.

2- تقديم: د. محمد كنون الحسني؛ تناول فيه هذا الأخير جملة نقط نجملها فيما يلي:

  • أسباب ضعف الإقدام على تفسير القرآن الكريم خلال القرون الأربعة الأخيرة.
  • انطلاق حركة التفسير في القرن الرابع عشر بالموازاة مع بداية تلاشي الخرافات التي منعت من دخول غمار هذا العلم فيما سبق، وكان من ثمار هذه الحركة ظهور حلقات ومؤلفات عديدة في التفسير.
  • تَوَقَّفَ محمد كنون عند مميزات ومحاور تفسير عبد الله كنون.

3- مقدمة: وهي مقدمة المؤلف عبد الله كنون، ذكر فيها صاحب التفسير انشغاله بتفسير القرآن الكريم وتبسيط معانيه حتى تكون في متناول عامة المكلفين من المسلمين، ثم بين أسس تفسيره، وعرف المقصود بالمفصل، ولماذا المفصل؟، كما تحدث عن معجزة نزول القرآن منجما، إضافة إلى إبراز أسلوبه ومنهجه في التفسير.

وبعد التقديمين والمقدمة اللذين سلف ذكرهم تضمن الكتاب تفسيرا لسور المفصل من القرآن بدأ بسورة الحجرات حتى سورة الناس.

 هدف الكتاب ومنهجه

إن القارئ والمتأمل لمقدمة العلامة عبد الله كنون، يستطيع إدراك الهدف من كتاب تفسير سور المفصل؛ وهو إبداع تفسير ييسر ويسهل فهم القرآن الكريم لعامة المسلمين من مختلف الطبقات.

أما المقصود بالمنهج في هذا السياق فهو ذلك المنهج البحثي لا منهج المؤلف في تفسير القرآن، فذلك مما ليس موضوع الكلام الآن.

بنظرة أولية وإطلاع على متن التفسير الذي بين أيدينا، يمكن التصريح بأنه اعتمد على منهجية بحثية جمعت بين:

  • المنهج التوثيقي: الظاهر أن المفسر عمد إلى جمع مادة تفسيره من كتب تفسير أخرى وعمل على إعادة تركيبها تركيبا متناسقا، بحسب طبيعة التفسير الذي يرجو إنجازه.
  • المنهج التحليلي: يغلب على المفسر طابع التفكيك، إذ لا يقتصر على عرض ما جاء في تفاسير مختلفة حول آيات سور المفصل، بل يبذل جهدا مقدرا محمودا في تحليل وتفكيك ما نقل عن غيره من المفسرين.

مزايا الكتاب

للكتاب مجموعة من المزايا، نذكرها كما يلي:

  • لغة الكتاب سلسلة فصيحة فصاحة لا ترفعه إلى درجة يصعب معها على القارئ فهمها، بل إن الكتاب بين متانة اللغة ويسرها.
  • إذا كان المقرر الدراسي المغربي قد اشتمل على سور قرآنية منها سورة الحجرات، فإن هذا التفسير يعد مرجعا مساعدا للمدرسين والمتعلمين على حد سواء، يرجع إليه الكل بغية تقوية المعارف المتصلة بالسورة المذكورة قبل. وعموما فإن التفسير إسهام مفيد في تجويد العملية التربوية.

ملاحظات حول الكتاب

لا يكاد يخلو كتاب من ملاحظات القارئ له، وفي هذا الصدد نسجل ما يلي:

  • إذا كان القارئ قد طالع مقدمة المؤلف واستمع بما جادت به قريحته من العلم والمعرفة ذات الصلة بالكتاب، فإنه يجد الكتاب قد خلا من خاتمة جامعة كما جرت بذلك أبجديات البحث في العلوم الشرعية. الأمر نفسه مع المصادر والمراجع حيث يلاحظ غيابها في آخر الكتاب.

خاتمة

صفوة القول، لقد حاولت في هذا المقال تناول مجموعة من النقط التي أشارت إليها مقدمته، ولا أدعي في هذا البحث أنني قد ذكرت كل المطلوب ذكره، وإنما هو جهد يدور في دائرة الظن لا في دائرة اليقين الجازم. والله ولي التوفيق وهو المستعان في الأمر كله.