مقدمة

تحظى قضية المنهج بأهمية كبيرة في حياة العلامة فريد الأنصاري، العامة منها والعلمية على حد سواء، والكتاب الذي بين أيدينا محاولة منها لمقاربة إشكالية المنهج عامة وبخاصة منها في مجال العلوم الشرعية، فما هي أهم محتوياته؟ وما الهدف منه ومنهجه؟ وما المزايا التي تميز بها؟ وما هي أهم الملاحظات حوله؟

ويقع كتاب ” أبجديات البحث في العلوم الشرعية (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق” لمؤلفه فريد الأنصاري -رحمه الله-  في مجلد واحد، ومجموع صفحاته 212صفحة، وقد صدر عن دار الكلمة للنشر والتوزيع ـ مصر ـ المنصورة، في طبعته الأولى 1423ه / 2002م.

هدف الكتاب ومنهجه

من خلال الاطلاع على الكتاب، يمكن القول بأن الكاتب يهدف إلى محاولة التأسيس لأبجديات للبحث في العلوم الشرعية انطلاقا من العلوم الشرعية ومناهجها، ومن الاستفادة من المناهج العلمية البحثية الغربية بعد جهد علمي ومنهجي في استصلاحها.

ومن المحاور التي تطرق إليها الكاتب “مناهج البحث العلمي” ولا شك أن هذا الكتاب يدخل ضمن الجهود العلمية للكاتب، فما هي المناهج التي وظفها في هذا الكتاب؟

يستطيع الباحث والقارئ تلمس المنهج التوثيقي من خلال هذا الكتاب، فإذا كان الجمع بما هو عمل يقوم على “جمع أطراف أو أجزاء جسم علمي ما، متناثرة في أحشاء التراث، وإعادة تركيبها، تركيبا علميا، متناسقا.” فإنه يمكن القول بأن الكاتب قام بجمع مادة موضوع أبجديات البحث في العلوم الشرعية من خلال كتب التراث المختلفة وعمل على إعادة تركيبها تركيبا علميا، متناسقا بما يحقق الغاية من هذا الكتاب.

ومن المناهج التي تظهر في الكتاب المنهج التحليلي القائم على عناصر منها النقد، فيلاحظ جهد نقدي هام من الكاتب لمجموعة من القضايا المطروحة في الكتاب ومن ذلك ما عبر عنه الكاتب عند انتقاده لدعوة منع تسجيل الأطروحات في قضايا تحقيق التراث.

ويعرف المنهج الوصفي بأنه “يقوم على استقراء المواد العلمية، التي تخدم إشكالا ما، أو قضية ما، وعرضها عرضا مرتبا منهجيا،…”  وفي هذا السياق يمكن القول بأن الكاتب عمل استقراء المادة العلمية التي تخدم موضوع الكتاب وعرضها عرضا مرتبا منهجيا.

محتوى الكتاب

يشتمل الكتاب على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة:

المقدمة:

تصدى فيها الكاتب للبحث في مسالة المنهج وقضاياه المتشعبة بناء او ارتباطا بسياق التدريس أو الدرس الجامعي وتفاعلا مع أسئلة الطلبة والباحثين حيث توقف عند علاقته بموضوع المنهج بدءا بمرحلة الصبا ودور والده في ترسيخ النظام داخل البيت، مرورا بمرحلة الطلب بالجامعة حيث بدأت علاقته بالمنهج تزداد توطدا من خلال المحاضرات الجامعية وما تلقاه منها عن أساتذة كالدكتور أحمد العماري، والدكتور حسن حنفي والدكتور الشاهد البوشيخي الذي كان مشرفا على بحثه لنيل الدكتوراه في تخصص أصول الفقه، وبذلك امتلك الأنصاري ملكة نقدية منهجية توجه بها ناقدا مناهج تدريس العلوم الشرعية ، وخلال مرحلة تدريسه بالجامعة كانت ترد عليه أسئلة حول المنهج ولم يكن يجد من الأجوبة الشافية والمقنعة ما يراه مناسبا لطلبة العلم. من هنا بدأت رغبة الكاتب في تأليف كتاب في منهجية البحث في العلوم الشرعية، خاصة وأن ما قرأه لم يكن مقنعا في نظره.

ثم استعرض الكاتب مجموعة من الكتابات المختلفة التي عالجت موضوع البحث العلمي، وفق التصنيف الآتي:

  • كتابات في المنظور الغربي للمنهج العلمي
  • كتابات في التخصصات غير الشرعية
  • كتابات في التخصصات الشرعية

مبرزا أهم محتوياتها، مع إبداء الملاحظات النقدية، والمميزات التي ميزت كل واحد منها. ويعلن بعد عن معالم بحثه الجديد حول أبجديات البحث في العلوم الشرعية مبرزا أهم محاور بحثه،والذي هو نتاج قراءة ومطالعة لمختلف الكتابات حول المنهج واستفادة منها وتنقيح ما يحتاج إلى تنقيح حتى يتلاءم مع طبيعة البحث في العلوم الشرعية.

الفصل الأول: عملية البحث في العلوم الشرعية:

في تمهيد هذا الفصل أشار الكاتب إلى أن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية هي أزمة منهج بالأساس ومنه وجب تكاثف الجهود في سبيل ” إعادة التشكيل المنهجي” كما قدم تعريفا خاصا بالمنهج حيث قال” إن المنهج بمعناه العام هو منطق كلي يحكم العمل العلمي، ويوجهه منذ أن يكون فكرة، حتى يصير بناء قائما، اعتمادا على أصول وقواعد تشكل في مجملها نسقا متكاملا هو المسمى بأصول البحث العلمي “.

وفي المبحث الأول ضوابط البحث العلمي: تناول باختصار مفهوم البحث والبحث العلمي، حيث عرف البحث لغة بقوله: “إن معنى البحث في اللغة إذن ؛ هو طلب أمر غائب”، “أما البحث العلمي فهو: عمل منظم يهدف إلى حل مشكلة معرفية باستقراء جميع مكوناتها التي يظن أنها أساس الإشكال” ثم انتقل إلى بيان ضوابط البحث ومنها: الضابط التعبدي: وهذا الضابط هو مما يميز البحث العلمي عند المسلمين حيث إنه يعصم من كثير من الممارسات غير السوية في البحث العلمي، فهو إن شئت القول يحصن البحث العلمي ويجعل من الباحث يقيم رقابة أخلاقية على نفسه في بحثه الذي يشتغل به، فهو يستحضر مراقبة الله في عمله قبل مراقبة أي جهة علمية أخرى فلا يدلس في البحث مثلا. ثم الضابط الإشكالي: وفيه يؤكد المؤلف أن البحث العلمي يقوم على تحديد الإشكال أولا فلا بحث علمي حقيقي دون إشكال علمي حقيقي، ويبسط نماذج لكيفية تحديد وتركيب الإشكال من خلال بعض مجالات العلوم الشرعية مثل مجال تفسير القرآن، ويقدم الكاتب للباحث طريقة مساعدة على تحديد الإشكال، أحب في هذا السياق إيراد نص مفيد للمؤلف إذ يقول ” إن المنتج الأساسي للأشكال العلمي هو الميدان؛ فادخل غمار الكتب والمصنفات في مجالك الذي تبحث فيه، وأكثر من الاتصالات الهادفة بذوي الاختصاص، تلح لك الإشكالات الحقيقة، وتتبد أمامك صور العوائق الوهمية…” (ص20). ثم الضابط الشمولي، يوجه المؤلف الباحثين إلى ضرورة تأسيس الباحث مشروعا علميا لنفسه، يندرج ضمن المشروع الحضاري للأمة، وإلى جانب هذه الفائدة الحضارية يضيف فوائد أخرى هي: أولا: ضبط مسيرة الباحث العلمي بحيث يسير في تخصص علمي يطور فيه بحثه في مختلف مراحل الدراسة والطلب، وهذا أفيد للطالب وللبحث بما يراكمه الباحث في بحثه من مرحلة إلى أخرى حتى يتمكن من أن يكون حجة أو أقرب إلى ذلك في تخصصه ذاك، وثانيا: ضبط صناعة العمل إلى درجة الإتقان والإحسان، ومن ذلك أن البحث هو أقرب إلى الجدة والجودة من غيره من البحوث المشاكلة له، يتأتى له ذلك من خلال المسار الشمولي للبحث.

ومن ضوابط البحث العلمي، ضابط الأولويات العلمية، توقف فيه الكاتب عند مجمل مراحل التعامل مع التراث الإسلامي، وهي المرحلة التحقيقية فلا يمكن بناء بحث علمي رصين دقيق على نص لم يحقق بعد، والمرحلة الفهمية، فبعد التحقيق نحتاج إلى ضبط المفاهيم كما يقصدها صاحب النص، ثم المرحلة التركيبية.

ثم فصل القول في ضابط الواقعية، وهنا يطرح الكاتب مسألة غاية في الأهمية في سياق إنجاز البحوث العلمية، وهي الوعاء الزمني، فكم من بحث توفرت فيه الضوابط السالفة الذكر ولكن عند النظر في الحيز الزمني لإنجازه يتضح استحالة هذا الإنجاز في إطار ذلك الحيز. وحتى يكون البحث مقدورا على إنجازه في حيز زمني معين، يرى المؤلف ضرورة التقيد ببعض الموانع/ المقاييس ومنها: المانع الزمني والمكاني والوصفي والانتخابي، مضافا إليها مراعاة وتدقيق عنوان البحث، مفصلا مقصوده من كل مانع مع التمثيل لذلك بالأمثلة الموضحة.

إلى جانب الضوابط السالفة الذكر هناك الضابط المنهجي، وفيه ربط بين الضابط الإشكالي والمنهجي حيث يرى المؤلف أن طبيعة الإشكال هي التي تحدد للباحث طبيعة المنهج الذي سيعتمده في بحثه.

المبحث الثاني: عملية (المنهج) بين العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية، وهنايبرز الكاتب مسألة ذات أهمية وهي أن المناهج العلمية في أغلبها أنتجها الغرب فهي متأثرة بمرجعتيه، ومنه فنحن في حاجة ماسة إلى إبداع مناهج تتلائم وطبيعة العلوم الشرعية من خلال مبدأ التحدي من أجل الإبداع وكذا العمل على استصلاح المناهج العلمية الغربية والعمل على توظيفها في سياق البحث في العلوم الشرعية، ويحاول تقديمه مجموعة من القواعد المنهجية العلمية انطلاقا من قواعد أصول الفقه مثلا ومن ذلك تنقيح المناط وتحقيقه، وكيف أن هذه القواعد تتضمن في طياتها ملامح المنهج العلمي، وما على المسلمين اليوم سوى النقش فيها من أجل بسط مناهج علمية متكاملة أصيلة.

الفصل الثاني: تصنيف المناهج العلمية في العلوم الشرعية:

استهل المؤلف هذا الفصل بالإشارة إلى اختلاف مناهج البحث لأسباب ترجع إلى اختلاف المجالات العلمية وأخرى ترجع إلى اعتبار بعض المناهج رئيسية وأخرى جزئية، ثم عرض مختلف أنواع المناهج البحثية، مبديا بعض الملاحظات حول بعضها، لينتقل إلى اقتراح مناهج بحثية تتناسب والبحث في العلوم الشرعية، ومنها : المنهج الوصفي ، حيث تناوله الكاتب في المبحث الأول من هذا الفصل، معرفا أولا بالمنهج الوصفي و مبرزا أهم عناصره التي حصرها في العرض والتكثيف والفهرسة، مستعرضا أهم أنواع العرض وهما المرجعي (البيليوغرافي) والتقرير العلمي، ومفصلا مختلف أنواع النوع الأول والثاني على السواء وكذا مصادر النوع الأول، وفيما يخص الفهرسة قدم مختلف أنواعها.

وفي المبحث الثاني: المنهج التوثيقي، عرف الكاتب بهذا المنهج، وفصل معانيه التي تدور حول معان ثلاثة وهي أولا: الجمع وقد بسط مفهومه ومراحله وهي: الاستقراء التام للمادة من مظانها، والتوثيق وبين ضوابطه العامة، ثم بعدها إعادة تركيب المادة بعد الاستقراء والتوثيق، مبرزا طريقة عرض المادة في مرحلة التركيب. وبعد الجمع يأتي الذي عده المؤلف الصرة الثانية للمنهج التوثيقي، وفيه بيان لأصالة التحقيق في المنهج الإسلامي، وعرض لمختلف شروط المحقق، وكذا المخطوط المراد تحقيقه، ثم عرج على مختلف مراحل التحقيق.  وبعد التطرق لمرحلتي الجمع والتوثيق تم تفصيل القول في عنصر التأريخ، وفي بيان لحاجة البحث في العلوم الشرعية إلى المنهج التاريخي مع ذكر قسميه وهما: الدراسات السكونية والدراسات التطورية معرفا كل منهما.

وفي كل ما ذكره المؤلف في هذا المبحث تمثيل واضح على كل القضايا المطروحة بما يقرب الفهم أكثر من القارئ والباحث المهتم.

أما في المبحث الثالث: والذي وسمه ب”المنهج الحواري” فقد بسط من خلال تعريف المنهج الحواري، كما ذكر أهم صوره / طرقه، ومنها:

  • طريقة المقارنة معرجا على تعريفها وأمثلة عليها مع أمرين اثنين هامين فيها وهما: الاشتراك والمقابلة التزامنية، تعريفا وتمثيلا لهما.
  • الطريقة الوظيفية: وتهتم بدراسة التأثير والتأثر بين مجالات العلوم وقضاياها، وفي هذا السياق توقف الكاتب عند أهمية الاستفادة من مناهج مجالات علمية أخرى مثل (البنيوية الوظيفية) وغيرها.
  • الطريقة الجدلية: ومن خلالها بين الكاتب الحاجة إلى هذا المنهج في العلوم الإسلامية وقدم تصورا لكيفية الاستفادة من المنهج الجدلي في السياق الإسلامي دونما وقوع في مطبات التوظيفات المختلفة للجدل كما هو الشأن مع (الجدل الهيكلي) وغيره من أنواع الجدل البعيدة عن الفكر الإسلامي، ثم قدم صور ممارسة الفكر الإسلامي للصراع، من خلال صور ثلاث؛ الأولى: الصراع من أجل إثبات الذات… والثانية: الصراع من أجل نقض حركات النزغ، والتشكيك الجزئي… والثالثة: الصراع من أجل الارتقاء بالنفس الفردية، ….

ومن المناهج البحثية أيضا ما تتناوله الكاتب في المبحث الرابع وسماه المنهج التحليلي، حيث بين في هذا الصدد وظيفة المنهج الحواري، ووقف عند ثلاث عمليات أساسية فيه وهي: التفسير بنوعيه البسيط والمركب، والنقد المخالف للنقض، وثالثا: الاستنباط بنوعيه الجزئي والكلي، موردا الأمثلة المناسبة على كل عملية من العمليات السابقة.

وخصص المبحث الخامس لموضوع هام هو ما اصطلح عليه ب “في منهج توظيف المنهج” وفيه ألمح إلى وجود علاقات تأثير وتأثر بين مختلف العلوم الشرعية، فبعضها يخدم بعضا، وعرض دعوة من دعا إلى استنباط منهج تكاملي يركب من مختلف المناهج، وفي هذا الصدد ذهب الكاتب مذهب آخرين مما سبقوه إلى ضرورة اعتماد منهج رئيس في كل بحث علمي، مع الاستفادة من باقي المناهج عندما تدعو على ذلك ضرورة منهجية معينة، مع تقديم الأمثلة على ذلك بنماذج من البحوث العلمية.

الفصل الثالث: تقنيات البحث العلمي:

سبق الحديث من قبل الكاتب في فصول سابقة من هذا الكتاب، عن ضوابط وتقنيات البحث العلمي، وفي هذا الفصل يستأنف ويتناول تقنيات البحث العلمي، ففي بداية الفصل عرف بالمقصود ب (تقنيات) البحث العلمي ومراحله، ومنها:

في المبحث الأول تناول المرحلة الابتدائية وأهم خطواتها وهي: المرجعية وتدرك بالقراءة المستمرة للكتب المتعلقة بموضوع البحث. والتقرير بحيث عرض الكاتب مجمل عناصره من ذلك (عنوان الموضوع، هدف البحث،…) والتهميش حيث عرفه وقدم مجمل ضوابط العمل بالجذاذات، و أخيرا الإعداد.

وفي المبحث الثاني: “المرحلة التركيبية (الدراسة): قدم فيه المؤلف تعريفا بهذه المرحلة وعناصرها الأربعة وهي: الفرض، والنص، والاستنتاج، ثم القالب العلمي. وفصل القول في كل عنصر على حدة بحيث وقف عند عنصر الفرض تعريفا به وبيانا لمتعلقاته، وكذا النص ومن بين ما أتى الكاتب على ذكره هنا ضوابط الاستشهاد بالنص، وفي الاستنتاج والمناقشة عرض الكاتب تعريف كل من المفردتين، وضوابطهما والأمور التي ينبغي للباحث الحذر منها. أما القالب العلمي فقد أشار إلى تعريفه بشكل مختصر مع تفصيل لعناصره الثلاثة وهي أولا الهندسة: ويدخل ضمنها: (المقدمة، والمدخل أو التمهيد،…) وثانيا: التوثيق بعناصره الثلاثة الكبرى وهي الانسجام والتركيز والخدمة، وثالثا: الأسلوب: وأهم ما يرتبط به السلامة من الأخطاء والإيجاز والوضوح وكلها أمور بسط معالمها المؤلف في متن الكتاب.

أما المبحث الثالث: والموسوم ب “المرحلة التكميلية” فقد بين الكاتب المقصود بهذه المرحلة، وعناصرها الثلاثة وهي: إعداد الفهارس ومما ورد فيها طريقة عرض وترتيب لائحة المصادر والمراجع،ومراجع البحث، ومن ذلك قضاياه العلمية الواردة فيه، والرقن والإخراج وفيه أشار المؤلف إلى أهمية الاستفادة من التطور الحاصل في هذا المجال من اجل جودة الإخراج والرقن.

الفصل الرابع: آفاق البحث في العلوم الشرعية:

استهل المؤلف هذا الفصل أشار فيه إلى إمكانية الاختلاف في الرؤية من شخص لآخر حول آفاق البحث في العلوم الشرعية لاعتبارات منها اختلاف المنطلقات المنهجية، أو اختلاف التصورات…، ثم بين أن ما سيقدمه من آفاق إنما هو في هذا السياق، ثم عرض آفاق البحث في العلوم الشرعية من خلال التقسيم الآتي:

  • في التحقيق والتكشيف الموضوعي.
  • في الدراسات المصطلحية.
  • في العلوم الشرعية على التفصيل. وهو يتضمن:

ففي المبحث الأول والموسوم ب “في التحقيق والتكشيف الموضوعي” عرف الكاتب بالتحقيق وأشار إلى ضعف الاشتغال به من قبل الباحثين في العلوم الشرعية، وانتقد بعض دعاة منع الاشتغال بالتحقيق مدافعا عن رأيه في ضرورة الاهتمام بهذا المجال العلمي الهام.

وفي نفس المبحث عرض الكاتب مفهوم التكشيف الموضوعي، وأهم خطواته نحو تحقيق إنجاز الكشاف الموضوعي.

ثم في المبحث الثاني: وهو “في الدراسات المصطلحية” يجد القارئ حديثا عن أهمية الدراسة المصطلحية والمصطلح في سياق حضاري وتدافعي يهدف إلى طمس معالم الهوية الإسلامية من خلال تشويه مصطلحاتها، ولذلك يقترح المؤلف مشروعين أساسين لهذا التشويه الممنهج. كما حدد ما يرى ضرورة مراعاته من أجل إيجاد (المعجم التاريخي) للحضارة الإسلامية، ومن ذلك شباب مرابط يهب عمره للبحث في مجال من مجالات العلوم الشرعية، وتأن حكيم في خوض غمار البحث المصطلحي. وأشار الكاتب إلى مجوعة من الشروط التي ينبغي مراعاتها قبل الانطلاق في مشروع الدراسة المصطلحية، وختم هذا المبحث بعرض أهم خطوات الدراسة المصطلحية، وهما الإحصاء والدراسة مع تفصيل لكل منهما.

بعد ذلك كله يتطرق الكاتب في المبحث الثالث إلى “الدراسات المنهجية” وفيه يشير إلى أهمية البحث في المنهج، ويرصد مشكلات المسلمين في تعاملهم مع هذا الموضوع حيث وقف على مشكلتين اثنتين هما: أولا: الاتجاه الذي جمع من المعارف الشرعية ما جمع دون وعي بقضية منهج تلك العلوم التي اغترف منها، وثانيا: الاتجاه المغترب الذي درس المنهج من خلال مرجعية غربية لم تجن منها الأمة خيرا ولا فائدة، بل كانت وبالا عليها،

ثم بسط معالم رؤيته فيما يتعلق بالقضية المنهجية في علاقتها بالبنية الداخلية والخارجية للعلوم الشرعية بالتفصيل والبيان.

وفي المبحث الرابع “في العلوم الشرعية على التفصيل” أشار المؤلف إلى نسبية آفاق البحث في العلوم الشرعية ثم فصل في آفق العلوم الشرعية كل على حدة، ومنها:

  • أولا: علوم القرآن والتفسير: ومما تضمنه هذا المحور تأكيد على أهمية البحث في علم أصول التفسير، وطرق الوصول إلى ذلك.
  • ثانيا: علوم الحديث: في هذا الصدد يقف الكاتب على أهم الجهود المبذولة في هذا العلم ويقترح آفاق منها: تصفية التراث، ثم التكشيف بصوره الثلاث وهي إنجاز الكشاف الموضوعي للحديث النبوي وإعادة النظر في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، ثم الدراسة التاريخية لعلوم الحديث. وأخيرا الدراسات الموضوعية لفقه الحديث
  • ثالثا: علم أصول الفقه: وفيه يشير إلى الجهود المبذولة في هذا العلم ويفتح آفاقا للبحث فيه من خلال قسمين هما: البحث في القضايا المعروفة تاريخيا، مثل الاستحسان وغيره، وكذا تطوير البحث في الدرس الاصولي عموما مع التركيز على ميدان القواعد الأصولية، ومناهج الاستنباط، ثم نظرية المقاصد ومباحثها الكلية والجزئية.
  • رابعا: علم الفقه: وفي هذا السياق يقترح الكاتب ثلاثة آفاق لهذا العلم وهي: الدراسات التاريخية، والفقه المقارن، ثم الاجتهاد المعاصر.
  • خامسا: الفكر الإسلامي المعاصر: وفيه يشير المؤلف إلى أن الفكر الإسلامي قد ورث وظيفة علم الكلام القديم في الدفاع عن العقيدة الإسلامية مع اتساع هذه الوظيفة لتشمل المذهبية الإسلامية عامة، فمعركة الفكر الإسلامي حسب المؤلف معركة حضارية شاملة.

وهنا يجد القارئ الكاتب يقترح مجالات ثلاث أساسية يراها من آفاق البحث في هذا المجال وهي:

  • الدفاع عن المذهبية الإسلامية.
  • العرض العلمي للمشروع الإسلامي.
  • التأصيل المنهجي، والتقويم الذاتي من خلال المنطلقات الآتية: التأصيل المصطلحي، والتأصيل المنهجي، ثم التأصيل المعرفي.
خاتمة:

والخاتمة فيها عرض مختلف نتائج الدراسة والبحث في موضوع المنهجية، وكله آمل في يلقى هذا العمل العلمي المفيد في بابه تجاوبا من قبل المهتمين من الأساتذة والباحثين. وبعد الخاتمة، عرض المؤلف ملحقا مصطلحيا عبارة عن معجم لأهم المصطلحات المنهجية الواردة بالكتاب. .

مزايا الكتاب

يمتاز الكتاب الذي بين أيدينا بجملة من المميزات، نقف على بعضها:

  • عنوان الكتاب: عندما يعبر الكاتب بعبارة “أبجديات” فيه إشارات منها تواضعه العلمي من جهة فرغم كون الكتاب يقدم لبنة جديدة في المنهجية، كما عبر عن ذلك الكاتب نفسه، إلا أنه يصفها بهذا الوصف الدال على الحد الأدنى الذي ينبغي معرفته من قبل الباحثين المهتمين، ثم إنه من جهة أخرى كأنما لسانه حاله يعبر عن حكمة العالم المربي الذي يربي بصغر العلم قبل كباره بمعنى آخر وكأن المؤلف يرى أن ما قدمه هو من قبيل صغار العلم في مجال المنهجية وهو من أولياته التي ينبغي اكتسابها.

وإذا كان عنوان البحث مطلوب فيه التعبير عن فكرة البحث ومحتواه، أعني أن يكون عنوان البحث ينبئ عن مضمون البحث، فإن هذا يظهر تحققه في هذا البحث بحيث حصل الانسجام التام بين العنوان وما اشتمل عليه الكتاب من المحاور، إذ يقف القارئ على ضوابط، وتقنيات، ومناهج، وآفاق البحث العلمي بشكل مفصل حسب ما اتسع له البحث.

  • الإحاطة بمناهج العلوم الأخرى كالأدب وغيره في سياق محاولة وضع لبنات لأبجديات البحث في العلوم الشرعية، يضفي مشروعية حول سؤال الإفادة من مختلف العلوم المشار من أجل تطوير مناهج البحث في العلوم الشرعية.
  • الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العلمية خاصة في مجال البحث في العلوم الشرعية. بما يتميز به من جدة وجودة، وهو وثيقة مفيدة لكل باحث يجد فيه الإجابة الوافية ـ تقريبا ـ على مختلف الأسئلة المنهجية التي قد يجد صعوبة وتكلفه وقتا للحصول على جواب لها من قبل المختصين في المجال.
  • غزارة الكتاب بالمصطلحات العلمية والمنهجية المتداولة في حقل العلوم الشرعية، إذ يجد القارئ نفسه أمام نص من الكلمات كل واحدة منها في الغالب تحيل ـ في الغالب ـ على مبحث أو قضية من القضايا العلمية الشرعية سواء منها ما تعلق بعلوم القرآن والتفسير وغيره من باقي العلوم الشرعية. مما يتطلب من القارئ قوة في الإلمام بما سبق ذكره حتى يتسنى له استيعاب محتوى الكتاب بشكل جيد.
  • لغة الكتاب تتسم بالسلاسة والسلامة اللغوية وحسن الأسلوب، حتى إن القارئ له من المشتغلين بالعلوم الشرعية في مختلف دراجاتهم العلمية بمقدوره فهم ما يرمي إليه الكاتب في مختلف صفحات الكتاب.

ـ الحضور القوي للكاتب، ويلاحظ هذا الأمر بتأمل في أغلب مادة الكتاب، إذ يظهر أن غالب المادة العلمية من إبداع الكاتب.

ملاحظات حول الكتاب

من القضايا المنهجية التي تناولها الكاتب، الأسلوب بحيث جعله الكاتب من العناصر الأساسية للتوثيق الذي هو إحدى عناصر القالب العلمي التي تندرج ضمن تقنيات البحث العلمي وفي كل مناسبة علمية أو مناقشة فيما بين الباحثين المهتمين بالبحث العلمي إلا وتجد تركيز على هذا الأمر بل وتشددا فيه أحيانا، وعليه فإن مسألة الأسلوب العلمي في البحث ينبغي أن تحظى بمزيد بيان وتفصيل من خلال إفرادها ببحوث خاصة، شأنها شأن كل القضايا العلمية التي تعرف التجدد والتطور بين الحين والآخر.

خاتمة

إذا كانت هناك بعض الكتب قد يحصل نسيانها بعد مدة من التأليف ويطالها النسيان، فإن هذا الكتاب ـ حسب نظري ـ لهو مما يجد القارئ والباحث حاجة ماسة إلى تجديد النظر فيه من حين لآخر حتى يتملك قضاياه المنهجية والمعرفية أكثر فأكثر.