الاسم والنسب[1]

الإمام المحدث الحافظ، مفخرة أهل العصر في التدريس والفتوى، ناصر السنة وقامع البدعة، العلامة الحجة، والشيخ القدوة، عبد الرحمان بن محمد بن إبراهيم النتيفي الجعفري ينتهي نسبه الشريف إلى محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

المولد والنشأة

ولد سنة 1303هـ / 1885م، بقرية المقاديد بقبيلة هنتيفة ـ إحدى القبائل المطلة على سهل تادلة بإقليم أزيلال ـ ولما أكمل أربع سنوات أدخله والده الكتاب القرآني، فأبان عن نبوغ مبكر، واستعداد ملفت، مكنه من حفظ القرآن الكريم صغيرا.

رحلاته في طلب العلم

وفي عام 1316هـ/ 1898م سافر إلى سطات حيث تابع فيها الحفظ بالروايات، فأكمل بها قراءة الكسائي وحمزة، وفي عام 1319هـ/ 1901 بدأ قراءة العلم على يد الفقيه الشيخ سيدي بوشعيب البهلولي الذي توسم فيه الخير، ولاحظ فيه مخايل النجابة، وقوة الاستعداد للتلقي، فأولاه عناية كبرى، وتشجيعا خاصا، فلبث عنده ست سنوات، ثم سافر إلى فاس عام 1323هـ/ 1905م، فأخذ عن عدد من المشايخ كالعلامة السيد الفاطمي الشرايبي، والعلامة السيد محمد التهامي گنون، والعلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني، والعلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الحاج السلامي، والعلامة بناني وغيرهم. وفي عام 1325هـ/ 1907م غادر فاس قاصدا مراكش، فعرج على مدينة الدار البيضاء فحضر وقعة “تادارت” التي تمّ على إثرها احتلال فرنسا للمدينة بعد أن استعملوا البوارج الحربية وانهزمت قبائل الشاوية وما جاورها.

انخراطه في تدريس العلم

غادر الشيخ الدار البيضاء ـ في نفس العام ـ في اتجاه خنيفرة عاصمة قبائل زايان بالأطلس المتوسط، فأقام بها، وأنشأ مدرسة للعلم ودرّس فيها مدة اثنتي عشرة سنة، وتخرج على يده جمع غفير. وفي عام 1329هـ/ 1911م حج إلى بيت الله الحرام ثم عاد مرة أخرى إلى خنيفرة فواصل فيها نشر العلم والفضيلة وإحياء الإسلام والسنة.

جهاده ومقاومته

زيادة على نشر العلم والعرفان، فقد أعلن الجهاد مع إخوانه وتلامذته على الفرنسيين لما وصلت طلائعهم قرب خنيفرة، فحضر وقائع عدة منها وقعة “أرغوس” وموقعة “أفود أحمري”. وبعد احتلال خنيفرة خرج إلى قبائل “آيت عمو عيسى” إلى حدود سنة 1336هـ/ 1932م، عاد إلى فاس ومكث فيها سنتين ودرس خلالها بالقرويين إلى سنة 1337هـ/ 1933م. وفي آخر سنة 1339هـ/ 1935م غادر فاس في اتجاه أبي الجعد، فدرّس بالجامع السليماني.

مقامه بالدار البيضاء

غادر مترجمنا أبي الجعد سنة 1341هـ/ 1947م قاصدا الدار البيضاء فاستوطنها، واتخذ مدرسة بالمدينة القديمة إزاء داره، فقصدته أفواج الطلبة من أنحاء المغرب للقراءة عليه والإقامة بمنزله وتحت نفقته، ثم انتقل إلى المدينة الجديدة بالدار البيضاء، وأنشأ مدرسة “السّنة” وتخرج على يده مئات من أهل العلم. وكان له حضور في عدد من مساجد المدينة وخاصة المسجد المحمدي الذي أكمل فيه تفسير القرآن الكريم خلال 30 سنة من أوله إلى آخره.

إجازاته وشيوخه

أجاز مترجمنا علماءُ وقته وأساتذته وشيوخه منهم:

العلامة أحمد بن الخياط، وأبو محمد الفاسي، وأبو شعيب الدكالي، ومولاي علي الدمناتي، والقاضي السائح، والمؤرخ مولاي الكبير بن زيدان، وسيدي أحمد أكرّام، والعلامة مولاي أحمد العلمي، والعلامة عبد السلام السرغيني، والعلامة محمد بن أحمد قاضي مكناس، والعلامة القاضي مولاي أحمد بن المامون، والعلامة المختار السوسي، والشيخ محمد بن العربي العلوي. وفيما يلي مختصر من إجازتي العلامة سيدي أحمد بن الخياط، والعلامة أبي شعيب الدكالي[2]، يقول الأول: “أجزت الفقيه الأجل المدرّس المحقق النفاعة المبارك الأمثل سيدي عبد الرحمان بن محمد النتيفي فيما يجوز لي وعنّي روايته وتنسب إليّ درايته من منقول ومعقول وفروع وأصول إجازة تامة شاملة ومطلقة عامة” وقال الثاني: “قد استجازني أخونا في الله الألمعي الذكي الحافظ اللودعي الفقيه السيد عبد الرحمان بن محمد النتيفي في كل ما يجوز عني روايته من معقول ومنقول وفروع وأصول”.

تلاميذه

تخرج على يديه خلق كثير نذكر منهم:

الفقيه الحاج عباس التادلي، والعلامة المؤرخ سيدي محمد العبدي الكانوني، والعلامة القاضي أبو العباس أحمد بن قاسم المنصوري، والفقيه الحاج علال التادلي، والفقيه البركة سيدي عبد الرحمان بن الحاج، والفقيه السيد محمد بن ناصر الزياني، والفقيه السيد الجيلالي بن محمد النتيفي، والفقيه الأديب القاضي السيد محمد بن محمد النتيفي، والقاضي العلامة هاشم المعروفي، والفقيه المكي السرغيني، والفقيه السيد محمد الشاتي، فضلا عن أبنائه وفي مقدمتهم العلامة الفقيه حسن النتيفي.

حلاه ابنه العلامة حسن النتيفي بقوله: “للشيخ مكانة سامية في الأخلاق الفاضلة، فهو حسن الأخلاق طيب الأعراف، لطيف المحاضرة، جميل المعاشرة، عذب الفكاهة، مليح النادرة، غاية في الجود والكرم، نهاية في الإيثار وخصوصا طلبة العلم فقد قاسمهم داره وخصهم منها بقسط يأوي إليه غرباؤهم. والشيخ مرب ناصح، شفيق رحيم، كتين الصبر، كثير الاحتمال، يكتفي من أكله باليسير، قامعا لنفسه عن الشهوات.”

آثاره ومؤلفاته

تميز الشيخ النتيفي رحمه الله عن كثير من علماء المغرب بخاصية الكتابة والتأليف، حيث كانت له مشاركات علمية في عدد من القضايا التي كان يحرص أن يكون له فيها رأي، وكان لا يضاهيه في هذه الخاصية سوى علماء الأسرة الكتانية، وعلماء الأسرة الصديقية. الذين تميزوا عنه بالقدرة على الطبع والنشر، في حين لازالت معظم أعمال الشيخ رحمه الله تعالى لم تر النور بعد. وقد تقاربت مؤلفات الشيخ في موضوعاتها، فهي غالبا في رد شبهات الملحدين وضلالات المبتدعين، أو تحقيقات في قضايا علمية أو فتاوى عارضة، وقد ذكرها ابنه العلامة سيدي حسن في رسالته مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري[3] وبلغت سبعين عنوانا، ندرجها كما هي.

  • ” الحكم المشهور، في طهارة العطور، و طهورية الماء المخلوط بالملح المسمى بالكافور”.
  • “الاقتصار في جواز الشكوى و الانتصار” و موضوعه الرد على قوم زعموا أن شكوى العبد لله و للناس حين تمسه الضراء ليست من سمات الصالحين.
  • “حل إبرام النقض، في الرد على من طعن في سنة القبض”.
  • “الاستفاضة: في أن النبي صلى الله عليه و سلم  لا يرى بعد وفاته يقظة” و قد رد فيه السيوطي.
  • “تنبيه الرجال في نفي القطب و الغوث و الإبدال” و هو رد على الصوفية لإكثارهم من استعمال هذه الألفاظ.
  • “لطف الله مع هبته، في الرد على قاضي امزاب و شنيعته”.
  • “اللمعة في أن كل مكان تصح فيه الجمعة” و قد أفتى فيه بجواز الصلاة بجنبات المسجد، و الحوانيت المجاورة له، إذا امتلأت رحابه، فأفتى بعض فقهاء الرباط و فاس بالبطلان، فرد عليهم الشيخ بالرسالة المذكورة.
  • “الإلمام في رد ما ألحقته مبتدعة زيان من العار بالإمام”.
  • “الذكر الملحوظ، في نفي رؤية اللوح المحفوظ” موضوعه: الرد على دعوى بعض فقهاء مكناس أن عبد الرحمان المجذوب دفين المدينة كان يرى اللوح المحفوظ.
  • “الإرشاد و السداد، في فضل ليلة القدر على ليلة الميلاد”.
  • “توشيح تزيين الأرائك، في إرسال النبي للملائك” رد فيه على السيوطي، في زعمه أن النبي صلى الله عليه و سلم ، مرسل إلى الملائكة و إلى الرسل قبله، و إلى أممهم، و إلى الحيوان و الجماد.
  • “القول الفائز في عدم التهليل وراء الجنائز”.
  • “القول المعلوم في إباحة النظر في النجوم” و هو تفسير الآية الكريمة «و بالنجم هم يهتدون».
  • “كشف الخدر، فيما وقع من الهرج في زكاة الفطر” أفتى فيه بجواز دفع القيمة مع الكراهة في حالة قلة القمح أو حتى بدون ضرورة.
  • “التهاني في أجوبة الفقيه العثماني” رد فيه على رسالة الفقيه العثماني من جلة فقهاء سوس، و تتضمن الإجابة الزكاة و النوحات الصوفية.
  • “السيف المسلول، في الرد على من حكم بتضليل من ترك السيادة في الصلاة على الرسول” و قد رد فيه على الفقيهين الحاج حمزة، و الشيخ زين العابدين بن عبود، في إيجابهما لفظ السيادة في الصلاة على الرسول صلى الله عليه و سلم .
  • “المستغنم، في بقاء الجنة و فناء جهنم”.
  • “المستغنم في رفع الجناح على المستخدم” أفتى فيه بجواز الجمع بين الظهر و العصر للعمال الذين لا يتمكنون من أداء صلاة العصر في وقتها بسبب مشاكل العمل.
  • “الإعلام، في الرد على من حقر بعض شعائر الإسلام” رد فيه على مقال نشر بجريدة العلم هاجم فيه كاتبه سنة الأضحية.
  • “المختار عند الأعلام، في الحكم على السيكرو بالحرام” حرم فيه التأمين على السلع و البضائع و العقار، وجوز تأمين السيارات للضرورة.
  • “الأجوبة الشافية، على أسئلة العباسية”.
  • “القول الصائب، في طلب الجماعة بعد الراتب” أجاز فيه تكرار الجماعة في المسجد، حين تفوت الصلاة مع الإمام الراتب.
  • “القول الحلي، في الرد على من قال بتطور الولي” رد فيه على بعض أدعياء التصوف الذين زعموا أن الولي يتشكل في صور مختلفة، و هيئات متعددة.
  • “المسائل البديعة، في البحث مع أهل الهيئة و الطبيعة” رد فيه على الشيخ طنطاوي جوهري، مزاعم وردت في تفسيره “الجواهر”.
  • “الأبحاث البيضاء، مع الشيخين عبده و رشيد رضا”.
  • “حكم السنة و الكتاب، في وجوب هدم الزوايا و القباب”.
  • “نظر الأكياس في الرد على جهمية البيضاء و فاس” موضوعه “مسألة الاستواء” و صفات الله تعالى بين المثبتين و النفاة مع ترجيح مذهب السلف في المسألة.
  • “الدرة الوهاجة، نفي صحبة بني ادغوغ ورجراجة وصنهاجة“. و موضوعه دفع أوهام بعض المؤرخين في زعمهم إثبات الصحبة للمذكورين.
  • “الفائدة المسموعة، في لزوم الواحدة في الثلاث المجموعة” موضوعه مسألة الطلاق الثلاث في الكلمة الواحدة.
  • “شفاء الصدور، في أن الشمس سائرة و الأرض ساكنة لا تدور”.
  • “الإرشاد و السداد في رخصة الإفطار للدارس و الحصاد”.
  • “العور و القذى، في عين من رخص الإفطار و لو بقليل من الأذى”.
  • “إظهار الحق و الانتصار، في البحث مع صاحب توجيه الأنظار”.
  • “تمام المنة، في أن السلام عليكم و رحمة الله هو السنة”.
  • “الميزان العزيز، في البحث مع الديوان المذكور في كتاب الإبريز” رد فيه على الشيخ عبد العزيز الدباغ في زعمه إثبات التصرف للأولياء و أن لهم ديوانا يجتمعون فيه.
  • “النصر و التمكين، في وجوب الدفاع عن فلسطين” رد فيه على فقيه فاسي زعم أن فلسطين لليهود و أنهم مظلومون.
  • “الفضل و المنة بالبحث في حديث لن يدخل أحدكم عمله الجنة”.
  • “التقاليد المحتملة، في بيان الدلائل المجملة” موضوعه تفسير الأدلة المجملة.
  • “خير المتاع في بيان أخطاء فقيه بني السباع” رد فيه على الفقيه عبد الله السباعي في غلوه في الأولياء و إيراده أشياء على المؤرخ محمد العبدي الكانوني تلميذ الشيخ وهي لا تلزمه.
  • “كشف النقاب، في الرد على من خصص أزواج النبي بآية الحجاب” رد فيه على أدعياء تحرير المرأة.
  • “سيف النكال و الزجر، في الرد على من قال «لكيلا تحرثوا في البحر” رد فيه على كتاب لخالد محمد خالد أسماه “لكيلا تحرثوا في البحر” و قد نزع فيه خالد محمد منزعا إلحاديا، و أنكر أشياء معلومة من الدين بالضرورة.
  • “إرشاد الحيارى، في تحريم زي النصارى» و موضوعه واضح من عنوانه.
  • “الإرشاد و التبيين في البحث مع شراح المرشد المعين” موضوعه الرد على شراح المرشد المعين، في مسائل من التوحيد خالفوا فيها منهج السلف.
  • “الأبحاث البينات فيما قاله عبده و رشيد رضا في تعدد الزوجات”.
  • “رد طعن الطاعنين في سحر اليهود لسيد المرسلين” موضوعه الرد على من طعن في الحديث الصحيح في المسألة، و عارض سحر النبي صلى الله عليه و سلم  بالكلية.
  • “العارفون و الأبرار، يعبدون الله طمعا في الجنة وخوفا من النار”. موضوعه تزييف زعم المتصوفة أن العبادة الحقة لا تتعلق بخوف و لا طمع مما يناقض صريح القرآن.
  • “بحث الحق و أهله مع صاحب الحكم و شيعته”، موضوعه: نقد كتاب “الحكم” لابن عطاء الله.
  • “مناهج الرجال، في الرد على الشيخ رحال” رد فيه على الشيخ الرحالي الفاروق في تفسيره للآية الكريمة “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” جانب فيه الصواب.
  • “التبشير بالجنة، لا يختص بالعشرة”.
  • “المثاني و المثالث في مناقشة صاحب الخطبة و ما فيها من مباحث»
  • “فهرسته التي تشتمل على أسانيده و مروياته، و إجازة العلماء له”.
  • “تحفة الرسائل في أنواع من المسائل” مسائل متنوعة.
  • “أوثق العرى في الأحكام المتعلقة بالشورى”.
  • “تحفة الأصحاب”.
  • “كتاب التذكير في جواب النكرة”.
  • “الرسالة الشاقة، في قمع شنقيط آيت واقة”.
  • “تحفة الأماني في الرد على أصحاب التجاني” و قد ضاعت الرسائل الثلاث الخيرة في الأطلس المتوسط.
  • “القول المؤيد في أن التيمم يرفع الحدث الرفع المقيد.
  • “إيقاظ الهمم في أن عهود المشايخ لا تلزم”.
  • “تكملة كشف الصدور”.
  • “البراهين البينات في أن الأنساب ظنيات لا قطعيات”.
  • “حكم الحق و الكتاب، في طعام أهل الكتاب”.
  • “البراهين العلمية، فيما في الصلاة المشيشية”.
  • “القول الفائز في التحليل الجائز”.
  • “أصفى الموارد في الرد على غلو المطربين المادحين لرسول الله و أهل الموالد”.
  • “الزهرة، في الرد على علو البردة”.
  • “الحجج العلمية، في رد غلو الهمزية”
  • “أحسن ما تنظر إليه الأبصار، و تصغي إليه الأسماع في نقد ما اشتمل عليه ممتع الأسماع في الجزولي وأصحابه و التباع”.
  • “الدلائل البينات في البحث في دلائل الخيرات و شرحه مطالع المسرات”.
  • “الحياة و الغوث، فيما هو الحق في تمني الموت”.

وفاته

توفي مترجمنا رحمه الله تعالى بعد عمر حافل بالعطاء يوم الثلاثاء 23 ذي القعدة 1385هـ الموافق لـ 15 مارس 1966م، وأوصى قبل وفاته بعدم تأبينه وعدم البناء على قبره، وألا يكتب على شاهد القبر إلا ما يلي: “هذا قبر الراجي عفو ربه ومولاه، والتارك دنياه كما أسبلها عليه، المرحوم بكرم الله عبد الرحمان بن محمد النتيفي”.    

المراجع
[1] أنظر: الإدريسي، مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. ص 140-150.
[2] النتيفي حسن، ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري، ص 9.
[3] النتيفي حسن، مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري، ط 1 / 1979.